الإكتشاف المُبكر لأمراض القلب والشرايين :
اهمية دور إكتشاف الترسّبات الكلسية في جدار الشرايين عن طريق التصوير الطبقي المحوري للقلب:
1- مقدمة :
منذ ستينيات القرن الماضي تمّ وضع طريقة لتقدير خطر الأصابة بأمراض القلب والشرايين عند الأشخاص السليمين الذين لايعانون من أعراض هذا المرض . هذه الطريقة التي تم تطويرها بعد دراسة Framingaham التي أجريت في
ذلك الوقت في المدينة التي تحمل نفس الأسم في أمريكا وأطلق عليها Framingham study
وهي تعتمد على تحديد عوامل الخطورة عند المريض والتي تشمل العمر،الجنس (ذكر،أنثى) ، مستوى الكولسترول المفيد (HDL-cholesterol) ومستوى الكولسترول الأجمالي(Total cholesterol) ، الأصابة بمرض السكري ، التدخين ، وأخيرا التاريخ العائلي لأصابات مبكرة بأمراض القلب والشرايين ( أصابات في العائلة قبل سن الخمسة وخمسين سنة عند الرجال والخمسة وستون سنة عند النساء . ومن خلال كل تلك المعطيات الذكورة مسبقا يتم تحديد علامات (Framingham risk score) للمريض يتراوح بين 1 الى 21 وهذه العلامات تحدد خطر الأصابة بأعراض مرض القلب والشرايين في السنوات العشر القادمة وتسمح بتحديد 4 مراتب للخطورة :
-خطر أصابة منخفض جدا : أحتمال الأصابة في العشر سنوات القادمة لايتجاوز 10 %.
– خطر أصابة منخفض : أحتمال الأصابة في العشر سنوات القادمة لايتجاوز 15%.
-خطر أصابة متوسط : أحتمال الأصابة يتراوح بين 15 الى 20%.
-خطر أصابة شديد : أحتمال أصابة يتجاوز 20% .
وقد أعتمدت هذه الطريقة في معظم الدراسات العلمية التي أجريت حتى تاريخ اليوم وهي لاتزال الطريقة الأكثر أستعمالا من قبل الأطباء لتحديد خطر الأصابة عند مرضاهم ، وهناك درسات جديدة أظهرت أن هذه الطريقة لها بعض الحدود وقدرتها على تحديد خطر الأصابة في المستقبل تقارب الى 60-70% فقط . لذلك كانت الحاجة الى تطوير تقنيات تصورية جديدة تسمح بالأكتشاف المبكر لمرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب عن طريق دراسة ترسبات الكلس في جدار شرايين القلب وعن طريق تقنيّات أخرى سوف نذكرها بشكل سريع في معرض هذا الكتاب .
2-كيف ولماذا كشفت الترسبات الكلسية : كما أشرنا سابقا أن مرض تصلّب الشرايين هو النتيجة النهائية لعملية ترسب المواد الدهنية والكلسية داخل الشرايين وهذه العملية تمر بمراحل متعددة تبدأ من سن ال 18 سنة بعملية ترسبات داخل جدار الشرايين وتستمر في ما بعد مع التقدم بالعمر في سن الثلاثنيات مع تكاثر الخلايا العضلية والألياف في الجدار الى أن تصل الى مرحلة الأنسداد الكامل للشرايين أو الترسّب داخل جدار الشريان في الأربعنيات ، وقد تكون هذه الترسبات صامتة أي بدون أي أعراض لكنها موجودة في داخل الجدار أو قد تكون مُسبّبة لأعراض مختلفة منها الذبحات القلبية أو الموت المفاجئ أو الجلطات الدماغية أو أنسداد شرايين الساقين . وفي مراحل هذا المرض من الممكن أن تكون ترسبات الكالسيوم هي الطبقة الظاهرة من جبل الجليد الموجود داخل جدار الشريان لأن ترسبه يُرافق عملية الألتهابات المحيطة في أماكن ترسّب الدهنيات وهو يكون موجود أكثر عند المرضى المستقرة حالتهم كما تظهر الصور المرفقة.
ونشير الى أن أزدياد كميات الكلس المترسبة داخل جدار الشريان مرتبطة بشكل قوي جداً مع خطورة وتقدّم مرض تصلب الشرايين عند هؤلاء المرضى والى أن وجود التكلّسات في الشرايين لايعطي فكرة دقيقة عن درجة الأنسداد في الشريان ، وأن مقابل كل فجوة شريانية مُكتملة هناك إمكانية لوجود عدة إنسدادات ُمتفرقة أو مُتفسّخة في جدار الشريان والتي قد تؤدي الى مشاكل سريرية خطيرة . وفي المُقابل أن عدم وجود تكلّسات في جدار الشريان مطمئن جدا ويعكس عدم وجود تصلّب في الشرايين في أغلب الأحيان ولايستدعي القيام بفحوصات أخرى .
3-ماهي الطرق المتوفرة لكشف الكالسيوم :
هناك حاليا طريقتين :
الأولى قديمة وهي التي أستعملت في البداية وتدعى Cardiac Tomography
والثانية أحدث وهي احدث وهي طريقة التصوير الطبقي المحوري للقلب Multi Slices Cardiac Tomography MSCT:
الأولى تشمل تحريك ألكتروني لمصدر الأشعة للحصول على وقت تعرض سريع للمريض يتراوح بين 100_50m.s بهدف أخذ صورة سريعة لشرايين القلب المتحرك داخل القفص الصدري .
والثانية تشمل الطريقة الكلاسيكية الميكانيكية لمصدر الأشعة ولذلك فأن وقت تعرض المريض للأشعة أقوى ويتراوح بين 80-210m.s لذالك فأن كمية الأشعاعات التي يتعرض لها المريض هي أكثر بقليل من تلك التي يتعرض لها في التقنية الأولى . لكن تقنية ال MSCT تعطي صور دقيقة أكثر من الأولى وكلفتها أكبر بكثير منها (50 دولار مقابل 500 دولار). وهاتين التقنيتين دقيقتين وفعّالتين جداً ولايستغرق الفحص أكثر من عشرة دقائق.
4- من هم المرضى اللذين يجب أن يخضعوا لهذا الفحص :
مع أن الكشف المبكر عن CAC Score يُحسّن كثيرا من فعالية الوسائل المتبعة حالياً لتحديد خطر الأصابة بمرض تصلّب الشرايين مثل: Framingham Score الا أن الجمعيات الأوربية والأمريكية المُتخصّصة في أمراض القلب لاتنصح بالأستعمال الروتيني لهذا الفحص عند المرضى المعنيين في الفئات الشديدة الخطورة أو في الفئات ذات الخطورة المتدنية واللذين لايعانون من أي أمراض قلبية. في المقابل ايضاً لاننصح كثيراً بإستعمال هذه التقنية عند الأشخاص المُصنفين في الفئات المتدنية الخطر إلا اذا كان هناك تاريخ عائلي للأصابة بمرض قلبي أو شراييني مُبكر قبل سن ال 45 سنة عند الرجال وال 55 سنة عند النساء .
وأظهرت معظم الدراسات فإن هذه التقنيات مُفيدة جدا عند الأشخاص المّصنفين في الفئة المتوسطة الخطورة لأنها تسمح ربما وفي أغلب الأحيان بأعادة تصنيف هؤلاء المرضى ، فأذا لم يكن هناك ترسّبات كلسية على الفحص ينزلون الى الفئة الأقل خطورة .وأما اذا كان الفحص غير طبيعي فيصبحون في الفئة الأكثر خطورة وهذا مايستدعي علاج عوامل الخطورة عندهم بشكلٍ مشدد ودقيق وكذالك أجراء بعض الفحوصات الأخرى مثل تمييل القلب في بعض الأحيان . وأخيرا هناك فائدة كبيرة لهذا التقنية في عملية الكشف عن أمراض القلب عند النساء اللواتي لايعانون من أعراض أمراض القلب لأن وجود أي تكلسّات في جدار الشرايين عندهن يرفع نسبة الخطر عندهن بشكلٍ ملحوظ وهذا مايستدعي الحيطة والحذر والعلاج .
5- ماذا يعني CAC score :
إن وجود التكلسّات داخل الشرايين يزداد مع التقدم في العمر وهو أكثر بشكلٍ عام عند الرجال من عند النساء . أن دراسات سريرية كثيرة أظهرت إن عدم وجود ترسّبات كلسية داخل جدار شرايين القلب (CAC score) منخفض عند مريض مُصنف سريريًا في الفئة القليلة الخطورة ولا يعاني من أمراض قلبية يجعل إحتمال وجود ترسّبات دهنية أو إنسدادات مهمة داخل الشرايين إحتمالا ضئيلاً جداً وهذا ما يتصاحب مع خطر قليل
جداً خلال السنوات التي تلي هذا الفحص ( خطر الإصابة بمشاكل قلبية مُهمّة يساوي 0,1% في السنة فقط ). وهذا ما يمكّننا مِن طمئنة المريض بأنة غير ُمعرض بشكلٍ كبير للإصابة بأمراض القلب في السنوات القادمة . وهنا تكمن أهمية هذا الفحص اذا كان طبيعيا .
في المقابل كلما أرتفع ال CAC Score كلما أزدادا خطر الإصابة بمشاكل القلب والشرايين خاصة اذا كان الرقم أعلى من 100 وهذا مايجب أن يدفعنا لإجراء فحوصات أخرى مثل فحص الأجهاد للقلب أو التمييل ومُراقبة وعلاج كل عوامل الخطورة بشكلٍ دقيق ومُكثّف من خلال وصف كل الأدوية اللازمة لمحاربة ومنع تقدّم مرض تصلّب الشرايين ومنع أعراضة .
6- هل هناك حاجة لتكرار هذا الفحص :
لايوجد حالياً دراسات علمية دقيقة تدفعنا لتكرار أجراء هذا الفحص في فترات زمنية معينة بعد إجرائه أول مرة وبالعكس من ذلك هناك توصيات بعدم تكراره كثيراً بسبب كمية الأشعاعات التي يتعرض لها جسم المريض خلال هذا الفحص ، والأمر متروك لرغبة وحاجة الطبيب الى ذلك وعليه أن يعطي مريضه الأدوية التي تمنع تطوّر هذا المرض .
ومن ومنها الأدية التي تُعالج مرض إرتفاع الدهنيات وإرتفاع الضغط الشرياني ومرض السكري اذا ما كان يعاني من هذه الأمراض وان يتناول الاسبيرين والأدوية المخفّضة للدهنيات خاصة لمنع تطوّر المرض وزيادة الترسّبات الدهنية داخل جدار الشرايين . وفي كل الأحوال عليه القيام بكل الخطوات الوقائية التي تقي من امراض القلب والشرايين ومن اهمها إيقاف التدخين والإكثار من الكحول وإتّباع نظام غذائي صحي وسليم فيه كميات كبيرة من الألياف وخالٍمن الدهنيات المشبعة والكثير من الخضار والفواكه الطازجة والسمك. كذلك يجب القيام بالتمارين الرياضية وخاصة الهوائية منها (Aeorobics) على الأقل لمدة 45 دقيقة في كل مرّة وبمعدّل ثلاث مرات في الدقيقة. كذلك يجب الإبتعاد عن القلق والتوتر والإكتئاب والتلوّث قدر الإمكان وكذلك يجب عليه ان يأخذ قسط كافً من النوم بمعدّل 7 إلى 9 ساعات يومياً لأن النوم لفترات اقل او أكثر من هذا المعدّل يزيد من نسبة الإصابة بأمراض القلب والشرايين بشكلٍ كبير.
د طلال حمود-طبيب قلب تدخّلي- هاتف 03832853