تشريع الذئاب.
عزيزي القاريء:
قبل أن نبدأ بكتابة النص ، أود أن ألفت نظرك أن هذا الموضوع يتكون من مجموعة أجزاء وحتى تصل معنا إلى القصد من هذا العنوان نتمنى أن تتابع قراءة المقال أو هذه الأطروحة على هذا الموقع بشكل يومي حتى الوصول إلى الجزء الأخير .
تشريع الذئاب.
في الماضي ، وفي زمن القبائل والجاهلية وعندما كانت هذه تختلف فيما بينها، كان بعض أمراء القبائل الذين يعقلون ، يبحثون عن أساليب لا تؤذي كرامتهم أو تحط من عنجهيتهم ، أو توحي أنهم في موقف ضعف. كان أمير القبيلة أو زعيمها ، يستدعي رجلا عاقلا ، يحسن التعامل مع الآخرين وباستطاعته تدوير الزوايا عند أي منعطف ، ثم ينتدبه على رأس مجموعة من عشائر القبيلة في مهمة للتواصل مع القبيلة الثانية موضوع التواصل عله يتمكن بعد خلاف أن يقيم الصلح بين القبيلتين وتضع الحرب أوزارها.
هذه ، كانت في العصور البداية، وهذا الأسلوب ، نسميه اليوم أو أننا نطلق عليه تسمية :” العلاقات الدبلوماسية والسياسية “.
كيف تطورت هذه العلاقات ، متى بدأت ، مع من بدأت وفي أي عصر أو مع أي حضارة وإلى أين وصلت؟
انتقلت هذه العلاقات من حضارة إلى أخرى ، وتقدمت مع تقدم الحضارات، وتطورت بتطورها، حتى وصلت إلى تاريخنا الحاضر متنقلة عبر حضارات ما قبل الإغريق، إلى حضارة وادي الرافدين ، التي اكتملت بمفاهيم ونظم وقواعد قانونية في زمن الدولة السومرية والدولة البابلية القديمة والدولة الآشورية. والملفت، أن في زمن الدولة السومرية ، عثر على أقدم معاهدة في التاريخ ، عقدت بين دولتين سنة 3100 قبل الميلاد ، حيث نقشت على نصب حجري باللغة المسمارية وهذا يؤكد انها أول من اكتشف الكتابة في التاريخ الإنساني وبقيت اللغة المسمارية لغة أساسية في كتابة الإتفاقيات والمعاهدات الدبلوماسية رغم اختلاف لغات ولهجات الدول.
عندما نذكر ، أو نتحدث عن الحضارات المهمة ، لا بد وأن نتعرض لواحدة من أهم الحضارات عبر التاريخ وهي الحضارة الفرعونية التي أطلق عليها ” حضارة وادي النيل” والتي كانت تقابلها الحضارة العراقية في زمن واحد تقريبا ، مما فرض على كلتا الحضارتين، إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية وإن كانت تتسم العلاقة بينهما ببعض المخاطر والحروب وهذا ما كان يستدعي إقامة معاهدات وعلاقات دبلوماسية بينهما لتسيير أمورهما التجارية ، خاصة أن الدولتان بحاجة إلى مثل هذه العلاقات لتنمية وضعهما الاقتصادي.
تطوير في العلاقات الدبلوماسية:
في تطور لافت بين الحضارة الفرعونية وبقية الدول المحيطة بها ، لجأ فراعنة مصر ، إلى إقامة علاقات دبلوماسية معها علما أن الفراعنة كانوا يتبادلون الرسائل ويقيمون المعاهدات باللغة البابلية كلغة تخاطب رسمي بينهم وبين الدول المجاورة ، خاصة الحثيين والآشوريين واللكشيين والبابليين، وهذا يدل على علو فرعوني في كيفية فهم التخاطب مع الآخرين وهذا ، نسميه اليوم ” إيتيكيت ” التعامل في الدبلوماسية كعلاقات ناجحة . إن ما يؤكد على نجاح الفراعنة في علاقاتهم الدبلوماسية، أن معاهدة كتبت بين ” رمسيس الثاني” الفرعوني و” حاتوسيل الثالث” ملك الحثيين في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وتحديدا العام 1278 وسميت معاهدة “قادش” والتي أقيم فيها التوازن بين الطرفين وهذا يدل أيضا على تقدم وتطور التعاطي في العلاقات الدبلوماسية بين الدول.
في هذه المعاهدة ، أي، معاهدة “قادش” تم التركيز على أهمية المبعوثين والرسل والإعتراف بمركزهم وقدرتهم على الدور المطلوب منهم في تحقيق السياسة الخارجية كما تم التأكيد من خلال هذا الدور على إقامة علاقات ودية وإشاعة السلام القائم على ضمان حرية أراضي الدولتين وإقامة تحالف ومعاهدة دفاع مشترك . هنا نلفت ، كيف تقدمت وتطورت العلاقات الدبلوماسية والحاجة تقضي بذلك ، فانتقلت العلاقات من حالة القبيلة والعشيرة “بتبويس اللحى ” إلى إقامة اتفاقيات ومعاهدات بين الدول ، أدت هذه العلاقات دورها في تطويع الفكر وفي وصول العلاقة بين ملوك الدول إلى أبهى صورها ، إذ أصبحت تبادل الهدايا بين الملوك عادة وحالة ربطت الدول والشعوب بين بعضها البعض.
غدا الجزء الثاني.
حسيب قانصوه.
الحائز على دبلوم في العلاقات الدبلوماسية والسياسية من الهيئة الدولية للتحكيم وجامعة القاهرة في مصر.