نعمت حيصون
كثيراً ما يثار الجدل في لبنان حول توطين اللاجئين، لقد استضاف لبنان منذ عام 1948 عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين ، وتركز اللاجئين الفلسطينيين في عدة مخيمات على امتداد خارطة الجغرافيا اللبنانية ، ثم تفجرت الثورة السورية في عام 2011 ، وكان لبنان على موعد مع موجات نزوح جديدة للاجئين السوريين نحو اراضيه ، ولقد تعالت اصوات كثير من اللبنانيين رافضة للتوطين، ووراء ذلك تكمن عدة اسباب وخلفيات سياسية وتاريخية واقتصادية واجتماعية ، بعض الساسة اللبنانيين صرحوا في اكثر من مناسبة عن مخاوفهم من وجود اللاجئين السوريين في لبنان ، رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري اعتبر أن لبنان تحول إلى مخيم كبير للاجئين بسبب وجود مليون ونصف المليون لاجئ سوري على أراضيه، ودعا المجتمع الدولي إلى مؤازرة لبنان “بعدما تم استنزاف مقوماته”، محذراً من أن التوترات بين النازحين والمجتمع المضيف تزداد، بسبب المنافسة على الموارد وفرص العمل ، جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني يكرر تحذيره من “خطورة استقرار اللاجئين السوريين” في بلاده، متذرعاً في ذلك بما يراه “رغبة دولية تدفع نحو توطين اللاجئين السوريين في لبنان “، مؤكد بان استضافة اللاجئين تمثل عبء كبير على لبنان خاصة وان الاقتصاد اللبناني مثيراً للقلق ويعاني الكثير من المشاكل ،واظهرت إحصائيات جمعيّة مصارف لبنان بان ديون لبنان قد بلغت 79.52 مليار دولار في عام 2017، وهو رقم كبير جداً ،ووفق تقرير للبنك الدولي في عام 2017 جاء فيه : ” لا تزال الآفاق الاقتصادية للبنان في الأمد المتوسط تتسم بالضعف، وتشير التوقعات إلى أن معدل النمو السنوي سيظل في حدود نحو 2% في الأمد المتوسط، و2.5% في 2018، وذلك بفعل الزيادة المتوقعة للإنفاق العام والخاص ” ، وذكر التقرير بان نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الاجمالي ، والتي تقلّصت من 31% في عم 2010 إلى ما يقارب 23% في عام 2016 ، فلم تشهد في عام 2017 أي تغير يذكر عن نسبة عام 2016 ، كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد تقلصت بنسبة 32% خلال الاعوام الست الماضية ، وانخفضت الصادرات الصناعية بنسبة 20% إلى 25 % نتيجة استمرار إقفال الحدود البرية بين لبنان وسوريا والأردن والعراق ، نتيجة استمرار الأعمال الحربية ، ما أدى إلى اعتماد لبنان على النقل البحري لصادراته الزراعية والصناعية بكلفة أكبر وكمية أقل ، لان الصادرات الصناعية عبر البر كانت تشكل 85% من مجموع الصادرات ، القطاع العقاري هو الاخر قد شهد تراجعاً بلغ 20%، ووفق بيانات وزارة العمل اللبنانية بلغت نسبة البطالة في لبنان 25% في نهاية عام 2015 ، تحتل نسبة الشباب والشابات 66% منها فيما تبلغ نسبة المهاجرين الشباب 44% من اجمالي عدد المهاجرين ، إن لبنان يحتاج سنوياً الى ما يقارب 23000 فرصة عمل جديدة، والسوق المحلي لا يوفر إلا 3800 فرصة عمل تقريباً، وقد جاء النزوح السوري ليزيد الوضع سوءاً بسبب المنافسة القاسية مع العمال اللبنانيين وما يشكله من ضغوطات نفسيه واقتصاديه على الشعب اللبناني . والجدير بالذكر أن اكثر من 200 الف لبناني فقدوا وظائفهم منذ عام 2011 وحتى عام 2016 ، وبعد ان تفجرت الازمة بين لبنان والمفوضية العليا للاجئين، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون أن لبنان لم يعد قادراً على تحمل الاعباء الناجمة عن تواجد اللاجئين السوريين في لبنان وأن لبنان يرى أن عودة هؤلاء إلى المناطق الآمنة باتت ممكنة ، فقد اتهم لبنان المفوضية بانها تخوف اللاجئين السوريين من العودة الى بلادهم ، قرر لبنان الجمعة تجميد استقبال طلبات الإقامة الخاصة بموظفي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بسبب أزمة اللاجئين السوريين. كما اتهم وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل المفوضية بـ “تخويف” النازحين لثنيهم عن العودة إلى سوريا ، قال الوزير “جبران باسيل” اليوم الجمعة إنه تقرر وقف استقبال طلبات الإقامة للعاملين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، واتهمها بـ”تخويف” النازحين السوريين من العودة إلى بلادهم ، واللاجئين السوريين غير مرغوب فيهم في لبنان ، وتتردد منذ فترة في لبنان عبارات من قبيل “اللبناني لم يعد يجد أي فرصة عمل بسبب السوريين” وتصاعدت المطالب الشعبية بإغلاق محلات تجارية لسوريين. وعلق البعض لافتات في شوارع مدن لبنانية تحرض اللبنانيين ضد عمل اللاجئين، وتحملهم مسؤولية الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه لبنان ، في 16 ابريل 2018 صدر بيان عن الائتلاف الوطني السوري جاء فيه : ” يؤكد الائتلاف على تنامي ظاهرة العنصرية والتعرض للاجئين السوريين زادت بشكل مثير للقلق بالتزامن مع تصريحات غير مسؤولة تصدر عن مسؤولين في السلطة اللبنانية، فيما لم يُسجل تحقيق يذكر في الحوادث السابقة والتي تم فيها الاعتداء بالضرب على لاجئين، ووصل الامر الى حد اعتداءات بدنية وانتاج اغاني تحرض على السوريين في لبنان ، وكشف تقرير لمنظمة هيومين رايتس ووتش بان 13 بلدية في لبنان أخلت قسراً آلاف اللاجئين السوريين من أماكن سكنهم بسبب جنسيتهم أو دينهم، ولا يزال خطر الطرد يهدد 42 ألف لاجئ آخرين ، بعض العبارات ايضاً تنم عن نظرة عنصرية ، هذه بلدة مسيحية، لا يوجد جامع هنا. لا نريد استقبال لاجئين” – إخلاءات جماعية تمييزة وغير قانونية تطال اللاجئين السوريين من قبل البلديات ،رغم ظروف لبنان الاقتصادية الصعبة ، وخوف بعض اللبنانيين من التغير الديموغرافي نتيجة توطين اللاجئين ، الا ان روابط الاخوة والتاريخ المشترك بين لبنان وجيرانه في فلسطين وسوريا يفرض على اللبنانيين ان يتعاطوا بإيجابيه مع ملف اللاجئين ، لا شك بانه هناك هواجس امنية ، والخوف من انتقال حريق الحرب السورية الى لبنان .
الا ان العلاقات التاريخية بين الشعبين تفرض نفسها في مواجهة اي ازمة بين البلدين .