أيها اللبنانيون متى نلتقي؟
زرت دولاً كثيرة ، أوروبية، افريقية والآسيوية وحتى بعض الدول في أميركا اللاتينية.
من الطبيعي أن الدول الأوروبية ، وبعد أن اجتازت مفاعيل وآثار حرب المئة عام ، التي علّمت بقية الشعوب في حينها ، وما زالت تأريخًا أسودا وقائما ، تحكي عنه أقلام حرّة ، كيف تفنّنت أنظمة وجيوش تلك الدول في الذبح والقتل وتقطيع الرؤوس والتعذيب ، ومع ذلك ، تمكّنت تلك الدول أن تجتاز تاريخها الأسود وإن لم تنس بعض شعوبها النازية ، بربريتها ، لتكون في صفوف الدول الأولى من حيث العلوم والثقافات والصناعة ، وحضارة اقتبستها من تاريخنا السابق لتعكس الصورة تماما.
صحيح ان الدول الإفريقية ، تعاني تخلّفا ، فرضته الدول أصحاب البشرة البيضاء ، العاملة ليل نهار ، على سرقة كل ماتملكه تلك الشعوب من ذهب وإلماس ويورانيوم حتى الخشب والحديد وكل ما تحمله بواطن تلك الأرض وعلى ظهورها، لكن يبقى لتلك الشعوب ، أخلاقا وقيما تسبق فيها أكثرنا نحن اللبنانيين ، المدّعين ، أننا نسبقهم ، علما وثقافة وأدبًا وأخلاقًا وبعضنا حقيقة شركاء الأميركيين والأوروبيين والإسرائيليين في نهب أموالهم ومنّا من يعمل بعرق الجبين “حلالاً” حبا بتلك الأرض وناسها ومع ذلك ، إنّ أكثرنا ، يصف فقراء وأهل تلك الأرض ب”العبيد”.
يكفي ان أذكر حادثة بسيطة ، وتكفي للدلالة ، أيّ منّا أفضل ومن منّا أكثر وطنية وأخلاقًا ومن هم العبيد، هم أم نحن ؟
كنت وصديقي الزغرتاوي “جوزيف أنطون” ، عائدين حوالي الساعة الثانية فجرا الى الفندق الذي نقيم فيه مع سائق تاكسي في مدينة ” أكرا” عاصمة “غانا” .
فجأة، توقّف السائق عند الإشارة الحمراء منتظرا ظهور الإشارة الخضراء ليتابع الطريق. قلنا له :” لماذا توقفت ؟ انها الساعة الثانية فجرا ولا يوجد بوليس الآن …أكمل…! أجاب بكلام لا يخلو من التهذيب قائلا:” نحن تربّينا على احترام القانون في بلدنا وان لم يكن العسكري موجودا ، فأخلاقنا موجودة ولا نريد أن نعوّد أنفسنا على الفوضى والفوضى جهل والجهل يدمّر البلد ونحن كشعب ساعتئذ ، من يدفع الثمن …!؟تطلّعت بصاحبي قائلا له:” من هم العبيد؟ هم…أم نحن…!؟
هنا بيت القصيد ، وهنا تكمن المقارنة بين شعب ، نعتبر ناسه عبيدا ويعرف كيف ومن أين يبدأ ليحفظ بلده وبيننا كلبنانيين ، ندّعي علما وثقافة وحضارة وبفوقية ندّعي أننا نسبق تلك الشعوب ، مفاهيم الحياة وتقدّمها في بناء الإنسان والأوطان وقس على ذلك ، كافة الشعوب العربية بلا استثناء.
صحيح أن مشكلتنا في لبنان ، تختلف عن أكثر بقية دول العالم الثالث. هنا من يملك الجرأة ، يتحدّث بصراحة وبلا مجاملة أو تكاذب، اذا كنّا فعلا نملك العلم والقيم والأخلاق هذه، متوّجة بسماحة أدياننا ، نحن حتما قادرون على تجاوز كل الصعاب والتلاقي وقادرون ، أن نذوب في ” بودقة ” وطنية واحدة ، تماما كما يذوب الذهب ليتخلّص من الشوائب ويبقى بنقاوته وصفائه.
نحن ثمانية عشر طائفة وكل طائفة مقسّمة الى مذاهب .نكذب على العالم أننا بلد العيش المشترك وهنا لا أقصد فقط بين المسلمين والمسيحيين. المسيحيون مختلفون فيما بينهم حتى النخاع والمسلمون مختلفون فيما بينهم حتى العظم . القوات والتيار العوني ، موارنة ومن مذهب واحد . الشيعة والسنة خمسة مذاهب ، واحد شيعي وأربع سنّة ، لهم ربّ واحد ودين واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة ونبي خاتم الانبياء واحد. طائفة الموحدين الدروز ، تنتمي الى مرجعية دينية واحدة وكتاب”الحكمة” واحد وان كان من يحكمهم في السياسة “جركسي ”
باختصار ، كل هذه الطوائف والمذاهب بالإضافة الى أعداد مماثلة من اللاجئين ، يعيشون على مساحة مزرعة مساحتها ١٠٤٥٢ كلم مربع.
كل هذه الطوائف ، كانت في ستّينيّات القرن الماضي ، تنعم في حالة اجتماعية مميّزة ، في زمن دولة المؤسسات ، في زمن الراحل
فؤاد شهاب.
اليوم ، منذ عهد ميشال سليمان ، وفي عهد ميشال عون ، تحيا كل الطوائف في زمن نهب المؤسسات وافلاس الدولة وسرقة ودائع الناس ، في زمن يحكم البلد ، ذئاب تفترس لحوم مواطنيها وتنهش عظام الأطفال فيه . ذئاب ، افترست كل شيء ، حتى الدواء والمواد التموينية ، أخفيت من الأسواق وبات الفقراء ينامون على لحم بطونهم الخاوية ويوضعون أطفالهم من دموع أمهاتهم.
أيها اللبنانيون، كونوا ما شئتم ، أنتم أحرار في انتماءاتكم السياسية . كونوا تيّارا عونيّا أو كونوا قوّاتيين . كونوا في تيّار المستقبل أو من يسعى لسرقة زعامة آل الحريري. كونوا في تيّار المردة، كونوا في حركة أمل أو حزب الّلهيين. كونوا تقدّميين أو تأخّريين . كونوا أينما تريدون، لكن ، كونوا كالإفريقي سائق التاكسي ولا تتعالوا أنكم أبناء الست وذاك الإفريقي ابن الجارية . تشبّهوا به وكونوا مواطنين لبنانيين صالحين ، تعشقون بلدكم وتراب بلدكم وهواءه ولا تبادروا في مظاهراتكم على الأقل الى تكسير شارات المرور أو أيّ من المؤسسات العامة والخاصة . لا تدمّروا بلدكم بأيديكم وأكثركم يكتنز الجهل في عقولهم.
أيها اللبنانيون ، الجوع يطرق أبوابكم مسلمين ومسيحيين . الحرب الاقتصادية كالكيان الغاصب ، لاتميّز بين أحد منكم . الجوع يهدّد كباركم وصغاركم .أغنياؤكم وفقراؤكم وماذا يفعل فقراؤكم في ظروف سوداء كهذه؟ نسبة الفقر إزدادت مئات في المئة .ماذا يفعل أغنياؤكم اذا تحوّلت عملتهم الى ورق لا لزوم له وكل العملات معرّضة للإنهيار اذا توسّعت رقعة الحرب؟
أيها اللبنانيون ، قبل أن أسألكم متى نلتقي ؟ لا تهملوا الزراعة ولو على الصخر ولا تهملوا الصناعة ولو على أسطح المنازل . أيها اللبنانيون ، أكثر العالم يكذب عليكم .لا عطاء بلا مقابل وقد يكون المقابل ، شرفكم وأمنكم وأعراضكم . قد يكون المقابل ، ثروة نفطكم وغازكم. البنك الدولي يكذب عليكم . أميركا تكذب عليكم ، أوروبا تكذب عليكم . الغرب كل الغرب ، يستعملكم نعاجا للذبح من أجل مصلحته وتحديدا من أجل مصلحة بقاء إسرائيل.
اذا كانت مصالحنا تفرض علينا التوجّه شرقا ، فما هو المانع ؟ اذا كان الشرق يعيد لنا دولة المؤسسات وتبقى كرامتنا وعزّتنا وأرضنا مصانة ، فما هو المانع؟ اذا كان الشرق يعطينا الكهرباء والنفط والسلاح والغذاء ، هبة أو بثمن مادّي بخس وبلا شروط ، فما هو المانع؟ الغرب يكذب ولا يفي بوعوده والسفيرة “شيّا” كهرباؤها وغازها من الأردن ومصر عبر سوريا ، خير دليل .
اذا كانت الصين حاضرة واذا كانت روسيا حاضرة واذا كانت ايران … حاضرة ، متى تصبحون مواطنين أفارقة تعملون مصلحة بلدكم لتنقذوا أطفالكم الذين لم يولدوا بعد من مديونية فرضتها عليكم دول الخليج وأميركا والبنك الدولي ويكون الثمن هو التوطين مقابل إلغاء الدين…!؟
أن تختلفوا في السياسة ، هذه عافية وديموقراطية في آن، أما أن تتخلّوا عن أمنكم وأمانكم ، أن تتخلّوا عن وطنكم وتمعنون في الأرض فسادا التزاما بمصالح أعدائكم وتدّعون السيادة كذبا ونفاقا فهذه خيانة لأي طائفة أو مذهب انتميتم . ساعتئذ ، لا ولم ولن نلتقي …!؟
الكاتب : حسيب قانصوه
بيروت في ١٥-٣-٢٠٢٢