الرئيسية - مقالات وقصائد - أموال المودعين و حادثة جب جنّين….. بقلم الكاتب حسيب قانصو

أموال المودعين و حادثة جب جنّين….. بقلم الكاتب حسيب قانصو


في عملية النهب والفساد ، قد تختلف الأساليب وتتشعّب الطرق وتتغير الوجوه. قد يكون الفاعل فردا أو جماعة ، أو أن دولة تسرق شعبها.
في حادثة سبقت، استطاع أحد المستثمرين ، أن يمتهن بنجاح عمليّة النصب والاحتيال وبحرفيّة عالية وخياليّة، ظاهرها الإيمان المطلق وباطنها ، النهب المطلق. بلحية وسبحة وذكاء مفرط، تمكّن أن ينتزع ثقة كبار رجال الاعمال والمرجعيات السياسية والحزبيّة والدينيّة ، صغيرها وكبيرها وعلى أعلى المستويات ، حتى أضحى اسمه على كل شفة ولسان.
لم يبخل المستثمر في توزيع الأرباح الخياليّة على ضحاياه الذين أودعوا في خزائنه ملايين الدولارات. كان الوعد بنسبة الأرباح ، يفوق الأرباح بأي عمل تجاري وقد يكون الأخير غير مضمون النتائج . لم يتردّد المستثمر بإعادة أي مبلغ اذا طلب منه . دفتر الشكات ، حاضر في جيبه والأموال تتدفّق عليه من المغتربين في افريقيا وكل بلاد المهجر والمقيمين منهم وعلى مستوى يليق بهم أن يُنصب عليهم . الكل يصرف بلا ضوابط وبلا حدود .الحركة التجارية وتحديدا في أماكن تواجد هذه البيئة كما حصل في كل المجتمعات اللبنانية على اختلاف مناطقها، كانت تغلي ومن رؤوس أموالهم ، كان البذخ ، حتى بطُر أصحابه وحدثت الواقعة …واذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة ، وكان وعد المستثمر لهم كوعد ابليس في الجنّة…!
على مستوى الجماعة أو الدولة ، تكرّر وعد ابليس لضحايا جدد ، لكن هذه المرّة لم يكن على مستوى محدّد أو ضمن بيئة محدّدة ، بل كان على مستوى وطن بكامله وشعب ينخر الطمع عظامه ، وهو حاضر وجاهز ، ليكون ضحيّة في كل وقت ، طالما أنه لا يعقل قبل أن يتوكّل والهدف دائما أن يكون كل واحد منهم “أوناسيس” بين ليلة وضحاها.
أحد رؤساء الحكومة السابقين ، وبناء على توجيهات صهيو-أميركية ووهابيّة بامتياز ، جاء لتنفيذ خريطة طريق مرسومة منهم سلفا ومُعدّة ، ليصل لبنان الى ما وصل اليه اقتصاديا ، قبل الفضيحة في نهب أموال المودعين ، لأن الهدف الأساس في الخريطة ، افلاس الدولة واغراقها في مديونيّة يستحيل الخروج منها بغير الخصخصة ومن غير اللجوء الى الجهة المنقذة دائما “البنك الدولي” والثمن التوطين…والقصة يعرفها القاصي والداني ورئيس الحكومة كان سخيّا وبارعا في شراء المسؤولين من رأس الهرم حتى القاعدة وكان سخيّا بإعطاء الفوائد أكثر من المستثمر وباع السوليدير وكل البلد والناس بسعر بخس قبل أن يعقل ويتوكّل ، وتوكّل على الله ورحل بأمر ….!؟صهيو-أميركي -وهابي …!؟ بعدما أحسّوا أن الرجل أعقل وتوكّل…!
هنا بدأت حركة المودعين في الزحف نحو المصارف ، طمعا في الأرباح المضمونة ، دون أن يفكّر أي منهم ، ماحصل مع غيرهم من الناس ومع مستثمرين كثر ، نهبوا الاخضر والأصفر لكافة ضحاياهم وباعتبار أن المصارف ، موضع ثقة محليّا وعالميّا وهي بالتالي موضع أمانات المودعين والقوانين تحفظ حقوقهم .
لم يكتف المودعون ، بإيداع ما يدّخرونه نقدا في خدماتهم الحديديّة ، بل ذهبوا الى أبعد من ذلك ، باعوا أعمالهم التجارية وأقفلوا معاملهم وشركاتهم وسحبوا رؤوس أموالهم من الأسواق في الداخل وفي بلاد الاغتراب.
على مستوى الداخل ، كان المودعون ، سببا رئيسا في تجميد وتعطيل الحركة التجارية في كل البلد ، وكانوا سببا رئيسا في زيادة نسبة البطالة وكانوا سببا رئيسا في هجرة شبابنا الى الخارج وكانوا سببا رئيسًا في معاناتهم وعذاباتهم وإذلالهم هناك خاصة المتعلّمون ،حملة الإجازات ، الذين اضطرّوا للهجرة بسبب تعاون المسؤولين والأحزاب ورأس المال على حرمانهم من أبسط حقوقهم الوظيفيّة في بلدهم والتي كانت وما زالت توزّع على المحاسيب والأزلام ومن هم دون المستوى العلمي المنتج ، حتى أضحت الوظيفةفي كل القطاعات تهبط نعمة من السماء على الأمّيين والجهلة وأبناء الفاسدين ، وتوقّفت حركة الإبداع والإنتاج في كل الميادين ، والأخطر من هذا كلّه ، ما لم ينتبه اليه البعض ، أن هجرة شبابنا ومن كل الطوائف ، فرضت عليهم البحث عن جنسيّة أجنبية والارتباط بفتاة أجنبية لتزيد نسبة العنوسة في مجتمعاتنا.

اذن تعطّل الانتاج وشُلّت الحركة الاقتصادية ولبنان أصلا مستهدف في هذه الحرب التي أعلنت عليه دون أن تُعلن ، أموال المودعين تكدّست في البنوك. المسؤولون ، أصلا أمراء حرب وأثرياء حرب ، هم أنفسهم أمراء السلام ورجال دولة ولا رجال . منهم من صنعته الحرب الأهلية ومنهم من ورث الزعامة ومنهم من زرعته المخابرات وجميعهم يصبّون في طاحونة واحدة والكل يعمل على طريقته لتحقيق هدفين رئيسيّين:
الأول: الوصول الى تعطيل مفعول سلاح المقاومة كهدف صـعُب تحقيقه والوصول اليه عبر الحروب العسكرية.
الثاني: تنفيذ السياسة المالية الأميركية في لبنان وهو ما وصلنا اليه عبر وزراء المال الذين تعاقبوا على هذه الوزارة من تاريخ العام ١٩٩٢ وحتى تاريخه ، أضف الى ذلك ، حاكم مصرف لبنان وحماته الكبار وجمعية المصارف لتمكين البنك الدولي فَرض شروطه بتوطين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين وإيجاد أرضية خصبة من خلال الجمعيات وثوار السفارات لإحداث خروقات في الوضع الأمني وتوريط سلاح المقاومة وبيئة المقاومة في حروب داخلية لتكون سببا في اصدار بند سابع أو ثامن بسحب سلاح حزب الله وبهذا فقط ترتاح اسرائيل وتتمدّد وعلى حساب من يعمل عميلا لحسابها.
مافيا الحكم المتحالفة، نجحت في نهب البلد والناس ووقعت الواقعة مرّة ثانية وليس لوقعتها كاذبة ، هذه المرّة خافضة وليس لها رافعة ، مافيا نشهد لها بتدجين واخراس الناس وانهيار الدولة وكل المؤسسات ، هم في الحقيقة أباطرة الحكم ، عددهم لا يتعدّى عدد أصابع اليد بغض النظر عن أعداد جمعية المصارف والأدوات ، هؤلاء ، كانوا قبل أن تُكشف ممارساتهم في النهب والفساد ، يعدون المواطنين بالعسل واللبن ، خاصة على لسان أحد وزراء المالية بالقول : أن الليرة بألف خير وأن الحكومة تعمل على إصدار مرسوم ضمان صحي يشمل كل اللبنانيين مئة بالمئة ولم يكن له مثيل في العالم ونام المودعون على كلامه أمناً وطمأنينة وان لم تستح افعل ما شئت ، يحاضر بالعفة ويدعو المواطنين الى ثورة اجتماعية….!؟
بعد كشف المستور ، لم يفكّر أو يلجأ مودع واحد الى استعمال القوّة لاسترجاع حقوقه كما فعل ابن جب جنّين وقد يكون هذا لسببين:
الأول: أن مرجعيته السياسية ، تعطيه وعودا مثالية بإعادة الأموال وكلام الزعيم ، مُنزل …ونحن نعده” خلّيك ع الوعد ياكمّون”.
الثاني: لم يشبه أحدهم ما كان يعانيه ابن جب جنّين ، الذي كان يلتحف البرد والظلمة عند الفجر ، أو حُرقة الشمس وتصلّب شرايين أقدامه من الوقوف على عربة الخضرة حتى جمع الخمسين ألف دولار…!
الى هنا نتحدّث عن المودعين الكبار ، الذين جُبِلَت أعمالهم وأموالهم بأعمال الفاسدين وأموالهم . أما صغار المودعين والذين يشبهون ابن جب جنّين ، الذي يتعرّض اليوم الى مظلومية القضاء الفاسد والقضاء السياسي وقضاء الزعيم ، هؤلاء المودعون ، من حقّهم أن يلجأوا الى أي أسلوب أو فعل أو ردّة فعل ، طالما لا ولم ينصفهم القضاء ولم تحمِ الدولة حقوقهم ، هؤلاء المودعون ، الذين لا سند لهم معين ، ينتظرون قاضياً حرّاً ، شرب حليب أنه حولين كاملين ، وقد ينبري لهؤلاء المودعين المستضعفين ، قضاة من هذا النوع ، قضاة يعيدون لهم حقوقهم بقوّة القانون والقضاة الذين يشبهون القاضي أحمد مزهر تجدونهم في كل ساح ، لأن من شرب حليبا صافياً ، لا يفسد ضميره حليب السياسيين…!؟
الكاتب: حسيب قانصوه
بيروت في:٢٥-١-٢٠٢٢.