محمد البندر: رئيس مركز عاملة للدراسات والإعلام والتوثيق
إذا كانت الخطوة الأميركية الأخيرة في أفغانستان تظهر وكأنها انسحاب وهزيمة، فأغلب الظن هي مناورة ذكية واستراتيجية.
ليس الأميركي بهذه السذاجة وهذا الغباء، أي بعد مرور عشرين عاما على وجوده في أفغانستان وصرفه ما يفوق التريليون دولار، ان يترك الحبل على غاربه هكذا وفي ليلة ليلاء يقرر الإنسحاب ويظهره بمظهر الهارب.
ولعل ما صرح به الرئيس بايدن خير مصداق لهذا الأمر، انه يناقش تمديد بقاء القوات الأميركية في أفغانستان وعدم الإنسحاب إلى أجل غير مسمى.
موقع أفغانستان يحتم على الأميركي شن الحروب للاحتفاظ به كنقطة تموضع إستراتيجي، على مقربة من إيران وروسيا والصين، وليس التفريط بها بهذه السهولة.
الهم الأول الذي يؤرق ليل البيت الأبيض هو القدرة الصينية والعملاق الاقتصادي العالمي الصاعد الذي ان بقي في زخمه لمدة عامين قادمين، لن تستطيع أي قوة في العالم من كبحه، لذلك قرر الأميركي اللعب تحت الحزام تمهيدا للمعركة الكبرى.
الحرب فعليا يمكن القول أنها بدأت مع الإعلان المقنّع للإنسحاب الأميركي من أفغانستان وتسليم البلد لحركة طالبان دون ضربة كف. وتحريك العصابات النائمة وربما بن لادن جديد، وإيقاظ العشائر والعصبيات القبيلة، وتحريك المارد الايغوري الصيني وربطه باللغم الإسلامي الأفغاني الجديد تحت مسمى الدولة الإسلامية، وتأجيج النزاعات والصراعات على أساس مذهبي وعقائدي، وتفجير كل هذا في وجه العملاق الصيني للاستنزاف، تمهيدا للصراع الأميركي الصيني المباشر، وهذا ما يضعنا على شفير حرب عالمية ثالثة مفتاحها افغانستان.
لم يكن الإعلان عن الإنسحاب من كابول سوى ما ذكرناه سلفا، وهذا ما أكده اليوم جو بايدن بتمديد البقاء الأميركي في أفغانستان.
هذا الكلام قلناه مرارا ولعل أول من كتب عن هذا الأمر هو رئيس قسم الدراسات العسكرية والإستراتيجية في مركز عاملة علي حمية الذي أشار بدقة إلى هذه الخدعة الاميركية.
واليوم بعد تصريح بايدن نكتشف دقة وصوابية هذه النظرية وهذا الرأي.
أعتقد إن ما يجري في أفغانستان اليوم هو مؤشر لما سيأتي من أحداث متسارعة تصل إلى حد إعلان طبول المعركة الكبرى في بحر الصين والعالم.