لتسيير أمور مدارسهم وتجنيبها الإقفال، تتجه الأنظار إلى تصويب آلية الصرف في وزارة التربية وإعادة توجيه الهبات والقروض التي تأتي من منظمات دولية ولا تخضع لرقابة أي من ديوان المحاسبة أو التفتيش المركزي، وتُصرف في مجالات لا منفعة فيها، فيما تترك المدرسة الرسمية لتواجه مصيرها بصناديق فارغة وأبنية وتجهيزات مهترئة
ليس في معطيات المدارس والثانويات الرسمية ما يشي بأن العام الدراسي سينطلق طبيعياً في 12 تشرين الأول الجاري. المديرون متروكون لمواجهة كل التحديات التربوية، والمادية خصوصاً، على «التساهيل وبالدفع الالهي ومن دون الاسترشاد بأي خطة أو رؤية واضحة»، على ما يقول أحدهم، إذ «تصر وزارة التربية على تحويلنا إلى متسولين»، في إشارة إلى تأخير دفع المستحقات الواجبة لصناديق المدارس. وهنا، يمكن تخيّل حرج مدير مدرسة رسمية يسلك في طريقه إلى عمله دروباً «ملتوية» لتفادي مواجهة الدائنين من أصحاب محطات الوقود أو المكتبات أو المحال التي يبتاعون منها المستلزمات الضرورية حالياً، ولا سيما الكمامات وأدوات التعقيم.
أكثر من الحرج، لم يتردد رئيس المنطقة التربوية في الجنوب باسم عباس، أخيراً، في تأييد توجه لدى بعض المديرين في الجنوب الى إقفال المدارس وإيداع مفاتيحها لدى وزارة التربية إذا بقيت الصناديق خاوية، لكون هذا الواقع سيشكل خطراً على الصحة العامة للتلامذة والمعلمين.
«على بعل»، عاشت صناديق المدارس في السنتين الماضيتين. وقبل أيام قليلة فحسب، «أنعم» برنامج التعليم الشامل المعني بتعليم اللاجئين السوريين على المدارس ببعض «المواد الصحية» للوقاية من كورونا.
المستحقات على الصناديق تفوق المداخيل، ما يتسبب في عجز، فما هو مطلوب من هذه الصناديق تحديداً؟
كل ما يمكن أن يخطر في البال من مصاريف لتسيير أمور المدارس الرسمية. فالصناديق تغطّي رواتب الحراس والعمال في المدرسة، وما يستحق عليهم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومستحقات عمال المكننة، وكلفة تأمين التلامذة في الحوادث الطارئة، وتكاليف الكهرباء والتدفئة والمياه والصيانة والقرطاسية والطبشور ومواد التنظيف والأدوات المكتبية والإلكترونية وتصوير الأوراق والمستندات والانشطة اللاصفّية والرياضية. وفي زمن «كورونا»، أضيفت إليها الكمامات ومواد التعقيم وموازين الحرارة.
الدراسة تنطلق في ظل ظروف صعبة جداً، بحسب مديرة مدرسة لا يحتوي صندوق مدرستها على أكثر من 17 ألف ليرة فقط! وتقول إن تسديد جزء من المستحقات لن يكفي لوقت طويل لسداد الديون المتراكمة، أو تأمين الاحتياجات الضرورية الملحّة بسبب غلاء الأسعار.
«دبروا حالكم»، هي أكثر عبارة يسمعها المديرون أثناء الاستعداد لعام دراسي غير واضح المعالم. يقولون إن الإدارة التربوية تعيش في عالم افتراضي مفصول عن الواقع، «وهو ما يفسّر مطالبتهم لنا بتوفير مقعد لكل تلميذ يلجأ إلينا، ونُمنع في الوقت نفسه من تشعيب الصفوف بحجة أن ذلك يرتّب تعاقداً مع أساتذة جدد. أما إذا كان لا بد من تعاقد جديد، فعلينا أن نؤمن ذلك على حساب صناديق المدارس أو البلديات أو الجمعيات الأهلية، وليس على حساب الوزارة»، كما يشرح أحد المديرين الذي يستبعد، وسط الإقبال الشديد للتلامذة على المدرسة الرسمية، تطبيق التباعد الاجتماعي الذي تفرضه «كورونا». يبدو المدير مقتنعاً بـ«أننا متروكون لمصيرنا في عام دراسي سيولد ميتاً». والمشكلة لا تنحصر في صناديق «مكسورة» على عشرات الملايين فحسب، بل في انطلاقة العملية التعليمية نفسها، إذ يؤكد مدير مدرسة كبيرة أنه «لم تصلنا أي توجيهات في ما يخص البرامج المستخدمة في التعليم الحضوري وأون لاين، ولم يخضع معلمونا وتلامذتنا لأي تدريب، ولم تكن النسخة الالكترونية للكتاب المدرسي الرسمي تفاعلية وعلى قدر الآمال، إذ تعترض الوصول إليها معوقات كثيرة».
بعض المديرين متيقن من صعوبة اعتماد التعليم عن بُعد في المدارس الرسمية لاعتبارات شتى، أبرزها عدم توفر أجهزة التابليت والتلفون وانقطاع الكهرباء والانترنت، وكل نداءات الاستغاثة التي أطلقها الوزير في هذا الخصوص لا تزال حتى الآن صراخاً في الفراغ. كما أنّ التعليم الحضوري يقلقهم أيضاً لجهة تطبيق البروتوكول الصحي الذي ينطوي على تعقيدات كثيرة، ليس في القاعات الدراسية فحسب، بل أيضاً على الطرقات، فلا سلطة للمدير على صاحب الباص الخاص الذي يقل التلامذة من المدرسة واليها. وليس بين أيدي الطلاب نسخ ورقية من الكتاب المدرسي. أحد المديرين بدا جازماً: «لسنا جاهزين لا للتعليم أون لاين ولا للتعليم الحضوري»، لافتاً إلى أن اعتماد التعليم الحضوري لا يتجاوز استجابة الوزارة لرغبة المدارس الخاصة في الحضور إلى الصفوف، لتبرير استيفاء الأقساط. وفي الوقت نفسه، لا يخفي المديرون صعوبة تعاطي تلامذة المدرسة الرسمية مع منصة «microsoft teams التي تعتمدها وزارة التربية، ما جعلهم يعتمدون مبادرات فردية يجري الاتفاق عليها بين الإدارة والمعلمين والأهل، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من التلامذة، ولا سيما «الواتساب» والأنشطة الورقية.