الرئيسية - أبرز الاخبار والتحقيقات - رياض نجيب الريس «آخر الخوارج»…جنازة افتراضيّة لـ «رائد الصحافة المكتوبة»: السماء تضحك الآن

رياض نجيب الريس «آخر الخوارج»…جنازة افتراضيّة لـ «رائد الصحافة المكتوبة»: السماء تضحك الآن


«هذا ما يفعله الأصدقاء حين يغيبون. يتركون في ذاكرة من بقي حيّاً عاداتهم المفضَّلة، أصواتهم، رؤيتهم للحياة، ونكرانهم المتواصل للموت. وهذا ربَّما ما أفعله الآن».
مع إعلان خبر وفاة رياض نجيب الريس، استعاد كثيرون هذه العبارة المقتبَسة من كتابه «صحافي المسافات الطويلة» الذي رأى بعض النقاد عند صدوره عام 2017 أنَّ «آخر الخوارج» رثا نفسه حياً من خلاله.
و«آخر الخوارج» ليس سوى عنوان كتاب آخر للصحافي والناشر السوري المعروف. وإذا كان حضور الكتاب الأوَّل بقوّة في تأبينه نابعاً من تضمنه رثاءً ذاتيّاً مبكراً، والكتاب الثاني باعتبار عنوانه مناسباً كلقب للراحل الذي عُرِفَ بجرأته ومشاكسته، فإن عنوان كتابه «صحافي ومدينتان» كان حاضراً بدوره، وإن بصورة غير مباشرة، فالمدينتان هنا هما بيروت ودمشق لا سمرقند وزنجبار، وهذه إشارة إلى الالتباس الذي وقع به ناشطون ومغرّدون نعوا الصحافي والناشر «اللبناني»! في حين وجّه آخرون التعزية إلى بيروت ودمشق معاً واصفين الريس باللبناني – السوري، وهو الذي عاش أبرز محطات حياته في بيروت التي قال فيها: «عدت إلى بيروت بحنين عاشق لامرأة تركها ربع قرن».
الروائي اليمني حبيب عبد الرب سروري نعى الريس كـ «أوَّل ناشر بيروتي عرفته عن بعد»، مشيراً إلى أنَّ أي ناشر آخر لم يكن ليتجرَّأ على نشر روايته «عرق الآلهة»، معتبراً أنَّ «أيّ أوجاع تعيشها بيروت نعيشها جميعاً، وأعيشها بشكل خاص. وأيّ ركود تعيشه، نعيشه بالضرورة»، وأننا «ننتظر عودتها وإشراقها من جديد لنعود».
أمَّا الروائي السوري فوّاز حدّاد، فقد رأى فيه – بصفته صحافيَّاً أو ناشراً – «وطنيَّاً سوريَّاً حتى العظم»، وأيضاً «عربيّاً حتى العظم»، مذكّراً بالمسيرة الرائدة لوالده نجيب الريس الناقد العنيف صاحب المقالات الجريئة الذي لم تلن قناته للانتداب الفرنسي ولا للحكومات الوطنية التي لم يوفّرها من انتقاداته.
كما نعاه الكاتب والمؤرّخ اللبناني فواز طرابلسي بقوله: «اليوم خسرت أخي ورفيق عمري منذ أيام الدراسة، وصديقي وناشري»، مصنّفاً إيّاه كـ «أحد آخر كبار الصحافة العربيَّة المكتوبة التي تطوي أعلامها أمام اجتياح وسائل الاتصال الاجتماعيّ والإعلام الرقمي»، معتبراً أنَّه مدين له بالكثير «لتشجيعي على التأليف وتحفيزي على النشر وملاحقتي على التسليم على الوقت»، مؤكداً أنَّ «رياض الريس اللبناني – السوري ساكن في قلوب كثيرات وكثيرين في هذا العالم العربي» و«باقٍ في ما كتب ونشر».
واعتبر المخرج حاتم علي رحيل الريس «خسارة كبيرة للثقافة والأدب والفكر تُضاف إلى قائمة خسارات لا تنتهي». أما مواطنه المخرج هيثم حقي، فقد اعتبر بدوره أنَّ «الخبر حزين والخسارة فادحة برحيل قامة كبيرة واختفاء أحد أعمدة الثقافة في بلدنا المنكوب من المشهد»، في حين نشر الشاعر اللبناني ورد العبدالله صورة جمعت الراحل بوالده عصام العبدالله ومحمود درويش معلّقاً «السماء تضحك الآن».
الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي نعى «الإنسان الحلو»، واصفاً إيَّاه بـ «صديقي وناشري الأجمل»، معتبراً أنَّ «الحريق أخذ نصف بيروت وغيابه أخذ نصفها المتبقّي». ورثا الشاعر اللبناني جودت فخر الدين «الناشر الذي بعث في عالم النشر حيوية لا تضاهى».
وعلى مقلب تويتر، أشاد الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد بـ «المفكّر والكاتب والإنسان العظيم» الذي «كان يختار الكتاب والكتابة المغامرة الجديدة شكلاً وموضوعاً ولا يبخس الكاتب حقه أبداً». أمَّا مواطنته الروائية منصورة عز الدين، فقد رأت أنَّ «سوق النشر العربي خسر برحيل الريس واحداً من أهمّ الفاعلين فيه على مدار العقود الأخيرة»، ورأى الكاتب السوري خيري الذهبي أنَّ «سوريا فقدت خير سفير لها في دنيا الأدب».
حملة الرثاء الافتراضيَّة لم تقتصر على أصدقاء الراحل من كتّاب وصحافيين وناشرين، بل انضمَّ إليها حشد من القراء الناشطين على السوشال ميديا اكتفى بعضهم برثاء الريس والإشادة بمزاياه والإضاءة على الإرث الثقافي الكبير الذي خلّفه وراءه، فيما انخرط آخرون – كما يحصل عند كل محطة مماثلة – في نقاش سياسي، عبر التصويب على الدولة السورية ربطاً بمواقف الراحل من النظام في بلاده، وتحدث بعضهم عن ارتباك مفترَض في صفوف المثقفين المؤيّدين للنظام ووسائل الإعلام التابعة له بين أمرين أحلاهما مرّ: نعي الراحل كما يليق رغم مواقفه المعروفة، أو تجاهل حدث بحجم غياب قامة ثقافية كبيرة مثله.
وأمام حجم «الجنازة الافتراضية» لرياض الريس، والتي تتكرّر كلما غادرنا كاتب أو شاعر أو مثقف، يبدو سؤال السيناريست السوري خلدون قتلان منطقيّاً ومحقّاً: طالما نعتبر الفقيد قيمة كبيرة، لمَ لا نذكره أو نعرّف الجمهور الفيسبوكي إليه في حياته؟ أليسَ المديح أهمّ من التأبين؟
– مهدي زلزلي – الأخبار