كتبت رمال جوني في صحيفة نداء الوطن: تنشُط تجارة الخردة، باتت مهنة كل الناس تقريباً، لجأوا اليها هرباً من البطالة التي تلفّ حياتهم، لم تعد ماركة مسجلة “لأهل هونين” ولا للمتجّولين في القرى، بل لكلّ من يُريد أن يؤمّن عشرة آلاف ليرة يعيش بها.
مشهد الناس أمام مستوعبات النفايات المُتكدّسة في القرى، صار مألوفاً. ففي الوقت الذي تواجه فيه البلديات أزمة نفايات، هناك من يلجأ اليها ليعيش. برأي البعض، “النفايات منجم ذهب”، ومن منظور البعض الآخر، تحوّلت فرصة عمل ولو موقّتة، لمواجهة إعصار الأزمة الإقتصادية والمعيشية.
لا يُنكر أبو فؤاد، الرجل الستّيني، أنه وجد في جمع البلاستيك والتنك باباً ليصمد أمام الغلاء الفاحش. هو نفسه الذي خسر عمله بسبب الأزمة الخانقة وبسبب “كورونا” لاحقاً، ينصبّ اهتمامه على “تأمين لقمة عيشه”، لم تعد النفايات تُربِكه أو تجعله يشعر بخجل، بل أصبحت ملجأه الوحيد، لا خيار أمامه، لم تترك الأزمة له شيئاً، حتى البحث عن عمل آخر بات صعباً. بإعتقاد الرجل أن النفايات ثروة لا تقلّ أهمية عن النفط المُتنازع عليه، ولا حتى عن المياه التي تذهب هدراً في البحر المُلوّث، يرى أنها الوحيدة حالياً لا تخضع للتقنين ولا للضرائب، بل تُشكّل أزمة لكلّ القرى. عادة ما يجول أبو فؤاد في القرى، لا يترك مستوعباً او حاوية أو حتى جبل نفايات مُكدّساً، الا ويستخرج منه التنك والحديد والنايلون والبلاستيك وكل ما يُمكن بيعه. “صحيح أنّ العمل شاقّ، وفي نظر البعض زبالة، لكنّ هذه الزبالة أبيعها لأعيش، أسوة بكثيرين من الذين وجدوا من خلالها مُتنفّساً ولو على الخفيف لضائقتهم المالية”. يعترف أبو فؤاد أنّ الطلب بات كبيراً عليها، إذ يراها التجّار مادة أولية محلّية، من هنا ارتفع سعرها قليلاً، أقلّه، تدخل في الصناعات المحلية وتُخفّف عبء الإستيراد، ويجري بيعها بالعملة المحلية”.
ينصبّ إهتمام أبو فؤاد، كما غيره، على تأمين مصدرعمل كيفما كان، فالأزمة تُضيّق خِناقها على الجميع. الأسواق دخلت حالة إنكماش تام، فيما الأسعار تتضخّم يوماً بعد آخر. كثيرة هي المحال التجارية التي أقفلت أبوابها، لا تستطيع مواصلة العمل وسط ارتفاع سعر صرف الدولار. لم تجد ريا غندور خياراً أمامها سوى حمل يافطة ذيّلتها بعبارة ”استفتحوا يا تجّار، شو ناطرين بعد”. هدفت من ذلك الى حثّ التجار على مواجهة الأزمة الخانقة وليس انتظار الكارثة”. ليست ريا تاجرة ولا صاحبة متجر لبيع الألبسة، هي فقط ثائرة على الواقع، برأيها “الدولار دخل عتبة الـ9 آلاف، هذا بحدّ ذاته المصيبة الكبرى، إن لم يتحرّك الشعب بعد أيام قليلة، لن يجد لا مالاً للدواء ولا للطعام ولا لأي شيء”. لا تُخفي ريا حرقتها من تفاقم الأزمة المعيشية الى حدّ، كما تقول، “أنّ الناس تشتري البندورة والخيار بالحبّة، ونحن الذين اعتدنا على الكرم، هل يوجد ذلّ أكثر من ذلك”؟
تقنين المولّدات
وعلى خطّ الأزمات، دخل تقنين مولّد الكهرباء على الخط، نتيجة تزايد ساعات تقنين الكهرباء وشحّ مادة المازوت التي انقطعت من عدد من محطات الوقود فأقفل عدد منها، ووصلت ساعات تقنين المولّد الى 8 ساعات يومياً، تقنين يراه اصحاب المولّدات مُبرّراً في ظلّ أزمة شحّ المازوت وتنامي مازوت السوق السوداء، مُرجّحين أن تتفاقم الأزمة أكثر إذا استمرّ إنقطاع المازوت، وداعين الأهالي في عدد من قرى النبطية الى تجهيز الشمع و”عدّة الإضاءة” تحسُّباً للأسوأ، واضعين الأمر في عهدة الحكومة المُفترض بها تأمين مادة المازوت بالسعر الرسمي وكفّ يد التجّار عنها.
المصدر: رمال جوني- نداء الوطن