العين على الغرب للحصول على عطفه. «سيمنز» و«جنرال إلكتريك» أعلنتا الاهتمام ببناء معامل لإنتاج الكهرباء في لبنان، لكن التمويل لا يزال عالقاً، ربطاً بالوضع المالي والنقدي. وزارة الطاقة تتوقع شروطاً صعبة، لكن على المقلب الآخر، في الشرق، ثمة من ينتظر. الصين أعلنت استعدادها لبناء المعامل وتمويلها، وفق أي صيغة تريدها الحكومة، وبتوفير يتخطى الـ 100 مليون دولار. هنا يضع لبنان نفسه أمام خيارين: الكهرباء أم رضى الغرب؟
يحمل وزير الطاقة ريمون غجر، غداً، إلى مجلس الوزراء، ملف معامل الكهرباء مجدّداً. يريد حصراً الحصول على موافقة المجلس على نموذج مذكرة التفاهم، التي يُفترض أن تُوقّع مع كل الشركات المصنّعة، تمهيداً لبدء المناقشات معها وتبيان فرص الاتفاق على إنشاء المعامل. تلك هي المرة الثانية التي يعود فيها غجر إلى الحكومة لمناقشة مسألة المعامل، بعدما حصل في آذار الماضي على تفويض «للتفاوض من دولة إلى دولة مع الشركات المصنّعة». إذ تم بالفعل التواصل مع شركات «سيمنز» و«جنرال إلكتريك» و«ميتسوبتشي» و«انسالتو» وغيرها. وتبين، بحسب غجر أن هذه الشركات «لا تزال مهتمة بالاستثمار في لبنان، لكن بطبيعة الحال ستتغير الشروط ربطاً بالواقع الاقتصادي والمالي».
بالنتيجة، بعد الموافقة على مذكرة التفاهم، يُفترض أن تبدأ المناقشات الرسمية، لكن غير الملزمة، مع الشركات. عندها ستظهر الشروط الفعلية، وبما يتخطى مجرد الاهتمام. تلك الشروط إن كانت مقبولة من لبنان، تبدأ المرحلة الفعلية، أي التفاوض على عقود بناء المعامل.
هل نصل إلى تلك المرحلة؟ وزير الطاقة نفسه صرّح بعد اجتماع لجنة الأشغال النيابية، بأن الأمر مرهون بتوفر التمويل، مشيراً إلى أن التمويل قبل الأزمة كان لحدود ٨٥ في المئة، على أن تؤمن الدولة ١٥ في المئة. في الاجتماع، كان البحث مرتكزاً على إمكانية وصول التمويل إلى ١٠٠ في المئة، في ظل العجز الذي ترزح الدولة اللبنانية تحت ثقله، بالرغم من أن أحداً لم يضمن أن الشركات لا تزال عند التزامها أصلاً. أحد المعنيين في الملف يبدو متشائماً بإمكانية التوصل إلى اتفاق يضمن إنشاء المعامل. الشركات التي سبق أن أبدت اهتمامها بالاستثمار في المعامل، ولا سيما «جنرال الكتريك» و«سيمنز»، لم تصدر عنها أي إشارات جديدة، سوى إشارة وكلائها إلى أن الاهتمام مستمرّ. أما الشروط المستجدة، فتلك لم يحن وقتها بعد. الآمال المرتبطة بإمكانية الحصول على التمويل بضمانة الحكومتين الألمانية (بالنسبة إلى «سيمنز») والفرنسية (بالنسبة إلى «جنرال إلكتريك»)، لم تعد على حالها. الأسبوع الماضي، سرت معلومات عن انسحاب «سيمنز»، التي كان قد وُصف عرضها بأنه الأكثر جدية، من أي مفاوضات مقبلة. يقول غجر إنه سمع بهذه الأخبار، لكن رسمياً لا شيء تغير، إذ لم يصل إلى الوزارة أي رسالة بهذا الصدد.
متابعون للملف يقولون إن المشكلة تتعلق في ضمان التزام الدولة بدفع الديون المطلوبة لإنشاء المعمل. يقول أحدهم: كيف يعقل لألمانيا أن تعيد تمويل الدولة، فيما هي واحد من الدائنين الذين تم التخلف عن دفع ديونهم؟ وأكثر من ذلك، فإذا كان الحصول على ضمانة سيادية من الدولة أو من مصرف لبنان كافياً في السابق، فإن الأمر لم يعد كذلك حالياً. لا أحد يركن لضمانة دولة مفلسة. وزير الطاقة يقرّ بنفسه: شروط التمويل والدفع تزداد، لكن لا يمكن تحديدها بدقة قبل توقيع مذكرة التفاهم والاطلاع على ما لدى الشركات.
بالرغم من كل ذلك، ثمة من يعلن اليوم استعداده لخوض المغامرة. من الشرق الأقصى تبدي الشركات الصينية اهتمامها بالاستثمار في القطاع. ذلك الاهتمام ليس جديداً، إذ إن شركة CMC سبق أن شاركت في مرحلة التصنيف في تشرين الثاني الماضي. لكن الجديد تأكيد الشركة أن الاهتمام لا يزال مستمراً. الأهم، أن هذه الشركات تبدو الوحيدة القادرة على تأمين التمويل، إذ يبدي «بنك الصين» استعداده لذلك. هذا ما يثق به غجر، لكنه رغم ذلك لم يتفاوض مع الشركة الصينية المهتمة، انطلاقاً من أن «التفاوض معها هو خارج إطار التفويض الذي حصل عليه من مجلس الوزراء، والذي يحصر التواصل بالشركات المصنعة للتوربينات، والصين ليست منها». لكن الصين تصنّع التوربينات بالفعل، وإن كان هذا التصنيع موجّها تحديداً للسوق المحلية، أضف إلى أن الصين تصنّع توربينات لشركات عالمية أيضاً. يدرك غجر ذلك، وبناءً عليه لا يستبعد إمكان التفاوض مع الصين من بوابة تصنيعها لتوربينات «جنرال إلكتريك» على سبيل المثال. فكما يحصل أن نفاوض فرنسا لأن التوربينات الأميركية تصنّع في مصانع فرنسية، فإن الأمر يمكن تكراره مع الصين أيضاً، يقول غجر.
هذا يعني أن التعامل مع الصين ليس محصوراً بشراء توربينات. في الأساس، سوق التوربينات مفتوحة في العالم. كل مُقاول يمكنه أن يشتري التوربينات من أي شركة. هذه حال الشركات الصينية أيضاً. الفارق الوحيد أن تشغيل المعمل على توربينات صينية يمكن أن يوفر نحو ١٠٠ مليون دولار من كلفة إنشائه.
بداية انفتاح «الطاقة» على العروض الصينية، تمثّلت، بحسب المعلومات، باستقبال وزير الطاقة لوكيل شركة CMC سركيس شلهوب، بعدما كان الأخير قد التقى رئيس الحكومة، مُجدِّداً استعداد الصين للاستثمار في بناء معامل الكهرباء. وأكثر من ذلك، علمت «الأخبار» أن إدارة الشركة الصينية راسلت كلاً من رئيس الحكومة ووزير الطاقة، معلنة اهتمامها المشاركة في مناقصة إنشاء معامل كهرباء في كل من سلعاتا والزهراني ودير عمار، وفق نظام BOOT (بناء وتملّك وإدارة المعمل ثم تحويله إلى الدولة بعد انتهاء مدة العقد). الرسالة الأخيرة وصلت إلى وزارة الطاقة في ٦ أيار الحالي.
شركة CMC الصينية تقدم عرضها لرئيس الحكومة ووزير الطاقة
الأهم من كل ذلك أن مصادر مطلعة تؤكد أن الشركة مستعدة لتأمين التمويل من دون الحصول على ضمانة سيادية من الدولة. تدرك الشركة أن هكذا ضمانة لم تعد ذات قيمة دولية. ما تطلبه فقط هو رسالة من وزارة الطاقة تؤكد فيها استعدادها لشراء كل الكمية المنتجة من الطاقة. هذا بديهي، فالكهرباء المنتجة ستذهب في النهاية إلى مؤسسة كهرباء لبنان.
لكن، لماذا يمكن للشركة الصينية أن تقدم عرضاً كهذا؟ يقول المصدر إن الصين لا تخفي اهتمامها بالمنطقة. هي راغبة في تعزيز حضورها، وقد تكون الأقدر في العالم على تمويل مشاريع بنى تحتية حالياً. طبعاً هي في النهاية تدخل في مشروع استثماري طويل الأمد، ولذلك فهي تحسب أنه إذا كان لبنان متعسراً اليوم، فهل سيبقى كذلك لعشرين عاماً؟ وعليه، قد تكون تلك فرصة لبنان لبناء معامل الكهرباء بعد سنوات من الخسائر، أو على الأقل تلك فرصته لترك المنافسة تأخذ مجراها بعيداً عن الخضوع لأيّ من الضغوط، إن أتت من الغرب أو من الشرق.