ما زال عدد الفحوص التي تجرى في لبنان، لتحديد عدد الإصابات بفيروس كورونا، يقتصر على معدل يومي لا يتخطى المئتي فحص. ومنذ اكتشاف أول حالة كورونا في 21 شباط وإلى غاية 6 نيسان، بلغ عدد الفحوص الإجمالي 9635 فحصاً، أي ما نسبته 0.16 من عدد سكان لبنان. علماً أن عدد الإصابات المكتشفة بلغت 541، أي ما نسبته 5.6 في المئة من عدد الفحوص الكلية. فما أهمية الفحوص في احتواء الوباء؟ وهل عدد الفحوص في لبنان متناسب مع الإجراءات الحكومية وكافٍ لمنع انتقال العدوى؟
للإجابة على هذه الأسئلة، استطلعت “المدن” رأي عضو في لجنة الطوارئ الحكومية لمواجهة كورونا، وعميد قسم الأمراض الداخلية ورئيس قسم الأمراض الجرثومية والمعدية في الجامعة اللبنانية الأميركية، البروفيسور جاك مخباط، والبروفسور غسان دبيبو، الذي يشغل منصب رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية في الجامعة الأميركية في بيروت، وبروفسور في طب الأطفال والأمراض الجرثومية والمعدية.
تركز الفحوص في بيروت
يتفق البروفسوران على أن عدد الفحوص في لبنان ما زال قليلاً، ووفقهما، كلما زاد عدد الفحوص كلما باتت المعلومات المتوفرة أفضل والمعطيات الإحصائية معبرة، وتعطي صورة أفضل عن وضع الوباء ومدى انتشاره لبنان.
يرى دبيبو أن فحوص كورونا ما زالت تتركز في بيروت وبعض المناطق المحيطة. بينما في الجنوب والشمال والبقاع والهرمل، الفحوص غير كافية. وهذا لا يساهم في معرفة حجم ومدى انتشار الوباء. فالمواطنون هناك لا يستطيعون تكبد 150 ألف ليرة لإجراء الفحص. كما أن المواطنين الذين يشعرون بعوارض مرضية طفيفة لا يقدمون على إجراء الفحص بسبب الظروف المادية، وخصوصاً في المناطق الأطراف. لذا يعتقد أنه يجب أن يكون عدد الفحوص أكبر وأن تكون الكلفة مجانية أو شبه مجانية لدفع السكان إلى إجراء الفحوص.
من ناحيته لفت مخباط إلى أن أهمية رفع عدد الفحوص لا تكمن في معرفة مدى انتشار الوباء فحسب، بل تخدم في الكشف المبكر عن المرض لعلاج المرضى بشكل أفضل، وللتقليل من انتقال العدوى وانتشار الوباء. فقد أثبتت التجربة أن المرضى الذين يعانون أعراضاً خفيفة لا يبالون، ويعتقدون أن المسألة مجرد رشح عادي، ثم بعد أسبوع تظهر الأعراض القوية ويدخلون المستشفى. لذا إجراء الفحوص يمنع تفاقم حالة المصابين الذين لا يعانون من أعراض في المرحلة الأولى لالتقاط العدوى.
عدد الفحوص اللازم
وفق مخباط ما زال عدد الفحوص في لبنان يقتصر على نحو ألف فحص لكل مليون مواطن، بينما بات مثبت عالمياً أنه كلما رفع البلد من عدد الفحوص كلما تمكن من الكشف المبكر عن المصابين والسيطرة على الوباء. وقد بادر مستشفى رزق إلى إجراء الفحوص المجانية في المناطق من خلال العيادة المتنقلة، كي تكون الدارسات التي تجريها المستشفى قائمة على معلومات دقيقة لمدى انتشار الوباء من ناحية، وللكشف المبكر عن المرضى لمعالجتهم، وحماية باقي المواطنين من انتقال العدوى، كما قال مخباط.
وعن تحديد عدد الفحوص المناسب لأي بلد اعتبر دبيبو أن المسألة تتعلق بعدد الفحوص على عدد السكان. في أميركا يجرون نحو 5 آلاف فحص لكل مليون شخص، وفي كوريا نحو 8 آلاف فحص لكل مليون، بينما في سويسرا 17 ألف لكل مليون. في لبنان يجب اعتماد حل وسط في عدد الفحوص. لكن الأهم من العدد هو توزيع الفحوص في كل المناطق، وبين كل الشرائح الاجتماعية، كي تكون ممثلة لكل السكان، وتعطي صورة عن الواقع الحالي. ويضيف، أن أفضل طريقة لمعرفة الواقع هي إجراء الفحوص وفق عينات إحصائية، لكن في لبنان يمكن أقله توزيع الفحوص على المناطق البعيدة عن بيروت، وذلك عبر تزويد المستشفيات بإمكانية إجراء الفحوص المجانية أو شبه المجانية، وإرسال العينات لفحصها في بيروت.
أرقام وزارة الصحة
من ناحيته يعتقد مخباط أن الأرقام الحالية التي تصدر عن وزارة الصحة حول عدد الإصابات تشير إلى أن لبنان سيطر على تقدم الوباء. لكن مع عودة اللبنانيين من الخارج، هناك تخوّف من عودة الوباء إلى الانتشار. وهذا يفرض المزيد من التزام المواطنين بإجراءات الحجر المنزلي. لكن في المقابل رفع عدد الفحوص يخدم المسؤولين في كيفية تحسين هذه الإجراءات، سواء لناحية رفعها تدريجياً أو لناحية تشديدها، وذلك بناءً على المعطيات الإحصائية.
أما دبيبو فيرى أن المعلومات المتوفرة التي تصدرها وزارة الصحة، عن عدد المصابين وانتشار الوباء، تقتصر على المواطنين الذين يذهبون طواعية لإجراء الفحوص. وليس هناك من معلومات عن المصابين الذين لا يقدمون على الفحص. فثمة أشخاص مصابون بلا أي أعراض أو عندهم أعراض طفيفة لم يفحصوا أنفسهم. بالتالي، من سيتخذ إجراءات تمديد الحجر أو إلغائه سيبني قراره على معلومات ناقصة، طالما أنها لا تستند إلى معلومات دقيقة عن انتشار الوباء. لذا يشدد على أهمية رفع عدد الفحوص للوصول إلى المعلومات الدقيقة عن أعداد المصابين وانتشار الوباء، لمعرفة كيفية تغيير إجراءات الحجر المنزلي بشكل علمي.
المصدر : وليد حسين – المدن