تحرّك الوزارات المعنية إزاء استخدام المضادّ الحيوي «كولستين» في مزارع الدواجن قد يبدو للوهلة الأولى مفاجئاً، في بلاد ترزح غالبية قطاعاتها تحت الإهمال المؤسساتي. لكنه تحرك يبقى مشروطاً بالنتائج
تحركت وزارة الزراعة، ومعها الوزارات المعنية، إثر نشر «الأخبار» تحقيقاً حول سوء استخدام المضاد الحيوي «كولستين» في بعض مزارع الدواجن اللبنانية لتحفيز نموّها. في اجتماع طارئ عُقد أول من أمس في مقر الوزارة، تعهّد الوزير عباس مرتضى بتقصّي المعطيات، المثبتة علمياً في الأساس، مؤكداً أن الوزارة في صدد جمع عيّنات من لحوم الدواجن من مزارع على الأراضي اللبنانية كافة، وإخضاعها لتحاليل مخبرية بحثاً عن ترسّبات لهذا المضاد الحيوي. وهو إجراء يُفترض أن يبيّن حدود استخدام الـ«كولستين» في تربية الدجاج. وبحسب رئيس النقابة اللبنانية للدواجن، موسى فريجي، فإن الاجتماع خلُص إلى «تشكيل لجنة مؤلفة من 3 أشخاص مهمتها متابعة سير الفحوصات»، من دون أن تتضح الطريقة التي ستتبع في تعيين أعضاء اللجنة أو طبيعة المختبرات التي سيجري فيها فحص العينات. وحين حاولت «الأخبار» الاتصال بالوزير مرتضى لمتابعة مسار التحقيق في المعطيات ونتائج العينات، لم تلقَ منه أي جواب.
تحرك الجهات المعنية لا يمكن مقابلته إلا بإيجابية، ولا سيما أن القضية أعادت إحياء النقاش، المؤجل دائماً، حول تقاعس مجلس الوزراء في إقرار المراسيم التطبيقية لقانون سلامة الغذاء، وتحديداً مرسوم إنشاء «الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء». لكن ثمّة ما لا يمكن إغفاله لجهة التحوير الذي لحق بالقضية وبصلب النقاش الذي يتخطّى استخدامات «كولستين» في تربية الدواجن. فعلى سبيل المثال، تعاملت وزارة الزراعة مع يمكن اعتباره فضيحة، على أنها مشكلة عادية يمكن تلافيها بمجرد إجراء فحوصات مخبرية أو حصر استخدام المضاد سريرياً.
حتى اللحظة، وفي ظل عدم صدور أي نتائج تتعارض مع الدراسة التي نشرتها «الأخبار»، تبدو الخلاصة الأساسية من «حراك» المسؤولين الرسميين عن الموضوع وكأنه «ماشي الحال». صحيح أن الهلع ليس غاية في حد ذاته، لكن التخفيف من خطورة أثر المضاد في طعام اللبنانيين لا يبدو منطقياً بالمقارنة مع المعطيات التي تثيرها الدراسة. تحرك الوزارة الإيجابي، بالتفاعل مع المعلومات، لا يمنع أسئلة ضرورية، عن دعوة الوزارة الصحافيين إلى التنسيق مع الوزارة قبل نشر معلوماتهم، كما جاء في بيان الوزير، مع الإشارة إلى أن مسؤولية المتابعة والتحقيق تقع على عاتق الوزارة نفسها بوصفها سلطة تنفيذية.
من جهة أخرى، بدا مستغرباً أيضاً إصرار مرتضى على أن استعمال هذا المضاد الحيوي «مسموح في معظم دول الاتحاد الأوروبي»، خلافاً لما أكده عدد من الباحثين المتخصّصين في السلامة الغذائية، أبرزهم الباحثة ديما فاعور كلينغبايل، التي أشارت إلى أن استخدام المضاد كمحفّز للنمو «تم حظره من قبل الاتحاد الأوروبي عام 2006، وإدارة الغذاء والدواء الأميركية عام 2017». وجهة نظر الوزير تمسّك بها فريجي أيضاً، إذ رفض «حملة التشويه التي يتعرض لها قطاع الدواجن»، وأكّد أن «الكولستين مسموح في بعض الدول الأوروبية»، وأن «وزارتي الزراعة والاقتصاد حظّرتا، في قرار مشترك صدر عام 2006، استخدامه لأغراض زراعية وبيطرية في لبنان». وبعد تشكيكه في الدراسات الصادرة عن الجامعة الأميركية في بيروت، اعترف بمحاربة النقابة لـ«الاستعمال العشوائي لبعض العقاقير من قبل قلّة»، قبل أن يؤكد بأن «الظاهرة غير موجودة في لبنان على الإطلاق»، في تناقض واضح بين التصريحات.
بدا مستغرباً إصرار مرتضى على أن استعمال الـ«كولستين» مسموح في معظم دول الاتحاد الأوروبي
وحتى صدور نتائج «فحوصات» وزارة الزراعة، تجب العودة إلى صلب النقاش. مصادر أكاديمية أكدت لـ«الأخبار» أن النقاش في الأساس مرتبط بحقائق أكثر خطورة من مجرد ترسّبات لمضاد حيوي في الدجاج، وأن العثور على جينَي «mcr-1» و«blaNDM-1» في عينات جرثومية، وبنسب مرتفعة، يعني أن مشكلة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية آيلة إلى التفاقم (ليس بالضرورة في وقتنا الحالي). وهذا ما تؤكده الباحثة كلينغبايل التي رأت أن «الاستخدام العشوائي لمضادات الميكروبات في الإنتاج الحيواني من المحتمل أن يؤدي إلى تسريع تطور مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى فشل علاج تلك الأمراض». وفيما اعتبرت أن استخدام بعض البلدان للـ«كولستين» لتحفيز نمو الحيوانات المنتجة للأغذية «لا يبرر عدم الرقابة ووضع حد لاستخدامه في هذا الإطار في لبنان». وشدّدت على «ضرورة استحداث خطة وطنية تعتمد على وضع معايير وقوانين للحد من استخدام جميع أنواع المضادات الحيوية في المزارع لإنتاج اللحوم»، من دون أن تلغي أهمية تقييد استخدامات الـ«كولستين» سريرياً بشكل عشوائي، في إشارة إلى سهولة شراء اللبنانيين لعدد كبير من المضادات الحيوية، من دون وصفة طبيب ومن دون التأكد من طبيعة الالتهاب حتى.
عصمت قاسم: لحظر «كوليستين» أو تنظيمه بشكل صارم
تعليقاً على ما نشرته «الأخبار» (1 شباط 2020)، أؤكد أني لم أكن أعرف عن محتويات المقالة حتى تم نشرها.
تحتوي المقالة على معلومات غير دقيقة، ولم يكن عنوان المقال (إنهم يقتلوننا الدجاج) خياراً جيداً. كعالم، أنا لا أقبل النهج المثير للقلق، لأن الهدف هو حل المشكلات وعدم التسبب في حالة من الذعر.
لم أذكر في أي مكان (محاضرة أو منشورات) أن استهلاك الدواجن سيؤدي الى وفاة وشيكة، ولم أتحدث عن اللحوم. مع ذلك، فإن انتشار مقاومة المضادات الحيوية (في الدواجن أو غيرها من الأماكن والسلع) يمكن أن يؤدي الى إصابات معقدة يصعب علاجها ويمكن أن تهدد الحياة.
تهدف جميع مشاريعنا وعملنا إلى تعزيز الصحة العامة والاقتصاد والصناعة في لبنان. لم نذكر أبداً أن جميع العاملين في الدواجن في لبنان يقومون بممارسات سيئة. على العكس من ذلك، فإن العديد من هؤلاء الأشخاص صادقون ويعملون بجد ويبذلون قصارى جهدهم لإنشاء منتج يلائم لبنان. لقد تعاونا مع الكثيرين في الماضي ونفخر بعملهم. مع ذلك، هناك مشكلة تتعلق بزيادة مقاومة المضادات الحيوية التي ترتبط جزئياً بالممارسات غير المقصودة ونقص التوجيه. تتوفر المضادات الحيوية على نطاق واسع في لبنان، ولا يوجد ما يكفي من الرقابة لتنظيم استخدامها السليم.
من أجل الصحة العامة والممارسات الزراعية الجيدة، أحث أصحاب المصلحة على حظر أو تنظيم «كوليستين» بشكل صارم في التطبيقات الزراعية. كما أحث بقوة أعضاء الصحافة المهتمين على أن يكونوا دقيقين وأن يتجنبوا الإثارة.
أقف بجانب بيانات المنشورة في أفضل المجالات العلمية. جميع جهودنا البحثية الشاملة للغاية ومراقبة بشكل جيد وتُجرى على مستوى عال من الشفافية.
سنواصل عملنا الشاق والبحث والشفاف. نأمل أن نكون قادرين على المساهمة ومعالجة المشاكل الحرجة من أجل مساعدة بلدنا. نحن منفتحون على التعاون مع الجميع، الصناعة، الصحافة، الحكومة، باحثين آخرين، إلخ.
د. عصمت قاسم
– الأخبار