أول من أمس، أعلنت قناتا lbci و«الجديد» عن انتقالهما إلى البث المشفّر من دون تحديد تاريخ معين لذلك. تأتي هذه الخطوة في ظلّ أزمة مالية مستفحلة، وانحسار الإعلانات بنسبة 80 في المئة، وعدم تقاضي الموظفين أجورهم كاملةً في العديد من المؤسّسات الإعلامية. يُعتبر أصحاب هذه القنوات أنّ هذا الإجراء سيمكّن الأخيرة من الاستمرار والبقاء ومواصلة عملها
يُجمع المتابعون لوضع الإعلام اللبناني بشكل عام، والمحطّات المحلية بشكل خاص، على أن العام الحالي هو من أشدّ وأصعب الأعوام التي ستحدّد مستقبل القنوات اللبنانية ومصيرها. فالأزمة المالية التي تضرب استديوهات القنوات في الأعوام الأخيرة واتّضحت ملامحها منذ انطلاق التظاهرات في منتصف تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، باتت تشكّل خطراً حقيقياً ووجودياً على هذه المحطات. حتى أنه يُهمس في كواليس القنوات أن تردّدات الأزمة المادية الحالية ستمتدّ إلى الأعوام الثلاثة المقبلة. هكذا، تعيش القنوات في مأزق كبير، حيث لم يتقاضَ موظّفوها رواتبهم كاملة في الأشهر الثلاثة الماضية. كما أنّها استغنت عن عدد لا بأس به من التقنيين العاملين لديها. بل يتوقّع المراقبون إجراء عملية تصفية لمجموعة من الموظفين في كلّ قناة خلال الشهرين المقبلَين. في هذا الإطار، أعلنت القنوات جميعها بداية العام الحالي انتقالها من قمر «نايل سات» إلى «عربسات» السعودي بعدما تلقّت من الأخير عرضاً مجانياً بذلك.
لم يمرّ شهر على تلك الخطوة، حتى عاد الكلام عن خطوة ثانية تُجمع عليها القنوات اللبنانية. إذ وجدت إدارة هذه المحطات أنّ الحصول على مردود مالي شبه مستحيل في هذه الفترة، في ظلّ الأزمة المالية المستفحلة وتوقّف البرمجة العادية، إضافة إلى غياب الدعم السياسي الذي كان العامل الأهم بالنسبة إليها في الفترات السابقة، وتحديداً في فترة الانتخابات النيابية. في هذا السياق، أخرج القائمون على الشاشات من أدراجهم خطّةً عمرها أكثر من عامين، إذ قرّروا تحويل بثها من المجاني إلى المشفّر. هذه الخطوة ليست جديدة ولا وليدة اللحظة: في عام 2018، اتّفقت القنوات على اقتراح اقتطاع مبلغ 6 آلاف ليرة (انخفض الرقم لاحقاً) من أصحاب «الكابلات»، كجزء من حقوقها الفكرية. اقتراح رفضه أصحاب الكابلات الذين يتحكّمون بهذا العالم، تبعه اقتراح أن يدفع المشاهدون/ات، أيضاً دولاراً واحداً مقابل مشاهدتهم القنوات اللبنانية. وتمّ إيكال شركتي «هولكوم» و«سما» (تملك حقوق بث «بي. إن» الرياضية القطرية، وosn) مهمة جمع القنوات اللبنانية، واحتكار بثّها (بالاتّفاق معها طبعاً) ضمن باقات موضوعة أمام المشاهد. بقيت تلك الخطّة مجرّد حبر على ورق، قبل أن يُعاد إحياؤها قبل ساعات، ولعلّها «الخرطوشة» الأخيرة في جعبة هذه القنوات.
أوّل من أمس، أعلنت قناتا lbci و«الجديد» ـــ عبر إعلان عُرض على الشاشتين ـــ أن المحطات المحلية ستنتقل من المجاني المفتوح إلى البث المشفّر قريباً، من دون تحديد تاريخ لتطبيق تلك الخطوة التي تضع حدّاً لاحتكار البث. وأرفقت الإعلان بجملة تفصيلية حول كيفية الانتقال «لمتابعة برامج lbci، يُمكن للمشاهدين الاشتراك بـCablevision عبر الاتصال على الرقم 1540، كما يُمكن للمشاهدين على «عربسات» عبر الصحون اللاقطة، الاتّصال أيضاً على الرقم 1540. أمّا لمشاهدي المحطّة عبر «موزّعي الدش»، فيمكنهم الاستفسار من الموزّع الذي يتعاونون معه». وذكر الإعلان أن lbci «تُوفّر لمشاهديها أيضاً خدمة الـ«البثّ المباشر» والـ« VOD المشاهدة عند الطلب»، عبر الاشتراك وتحميل الـLBCI Application».
في هذا السياق، يشير روي الهاشم رئيس مجلس إدارة otv في اتصال مع «الأخبار» إلى أنّ القنوات المحلية لن تتمكن من الاستمرار في العمل في ظلّ هذه الظروف الصعبة. ويوضح «القنوات تدرس حلّ الدفع المسبق الذي يقوم على خطوات عدة كي تضمن مستقبلها، وذلك حسب «الكابل» أو «الدش» (الصحن). للأسف، فكلّ الأفق مسدود. الإعلانات تراجعت أكثر من 80%، واللافت أن غالبية العاملين في ذلك المجال تركوا بيروت وهاجروا إلى الخارج. نحن لا نزال حالياً في طور بحث تلك الفكرة، من دون أن يدفع المشاهد من جيبه أي مبلغ إضافي، حسب اشتراك الباقات. من هذا المنطلق، إن تنظيم قطاع البثّ يؤثّر إيجاباً على المواطن الذي ستتوافر لديه إمكانية المشاهدة بجودة عالية، وفي الوقت نفسه تستطيع القنوات الاستمرار والمحافظة على موظفيها». يختتم الهاشم كلامه لافتاً إلى أن «الانتقال المتوقّع للقنوات لن يكون دفعة واحدة، بل على مراحل معيّنة يسبقها تحضير المشاهد للخطوة. لو كنا نعلم أنّ الأزمة المالية الحالية هي مؤقتة، لما أقدمنا على تلك الخطوة، ولكنّ المشكلة طويلة ولن يكون علاجها سهلاً». من جانبه، يعرب قاسم سويد رئيس مجلس إدارة nbn عن تفاجئه بخطوة lbci، مشيراً إلى أن قناة بيار الضاهر أقدمت على الخطوة لوحدها حالياً.
كل الأمور المتعلّقة بالبثّ المشفّر تُشرف عليها مجموعة ldn
«الأمور ليست واضحة، ولا جديد حالياً في nbn». أما بالنسبة إلى قناة «الجديد»، فإن الصورة فيها أوضح. يلفت مصدر في القناة إلى أن «خدمة VOD / المشاهدة عند الطلب التي قامت بها بعض القنوات أدخلت مالاً إلى جيب المحطات، ولكن الشاشات اليوم بحاجة إلى خطوة أكبر تضمن مستقبلها». ويضيف المصدر أن «أنظمة الإعلام في العالم اتّجهت إلى خدمة الدفع المسبق، ويجب الوقوف منعاً لانهيار ما تبقى من الإعلام المرئي. قد تستغرق تطبيق خطوة الدفع للشاشات، أشهراً طويلة، ولكن اتّخذ القرار مبدئياً بتطبيقها». في المقابل، يبدو أن قناة mtv تتمايز عن زميلاتها. يشير مصدر داخل القناة إلى أن الأخيرة «لن تتحول إلى قناة مشفّرة. mtv باقية وستبقى للجميع، والوضع على حاله». من جانبه، يشير بيار الضاهر رئيس مجلس إدارة lbci إلى أن كلّ الأمور المتعلقة بالبث المشفّر تُشرف عليها مجموعة ldn وهي تضمّ القنوات: «الجديد» وotv و«المستقبل» وlbc». ويوضح الضاهر أن «خطة انتقال البثّ ستكون هي نفسها التي سبق واتّفق عليها قبل عامين تقريباً، وستوكل المهام إلى «هولكوم». على أن يحدّد لاحقاً المبلغ المتّفق عليه للدفع، ولكن الأكيد أن التحوّل نحو البثّ المشفّر لم يعد بعيداً، وهو رهن المستقبل القريب».
جريدة الاخبار