ما دمت تملك رخصة صيد ورخصة سلاح صيد، فمن البديهي أنه بإمكانك ممارسة هواية الصيد، ضمن الموسم المسموح به وبما يتناسب مع قانون الصيد البري الساري مفعوله على معظم الاراضي اللبنانية. ولكن في منطقة “جنوب الليطاني” بات المسموح ممنوعاً! وفي هذه المنطقة اللبنانية “ممنوع يطلوا الصيادي”! كما غنى نصري شمس الدين وغيره من الفنانين لهذه الهواية.
فتحت مسمى “تنفيذ القرار 1701″، يُمنع أي وجود مسلح في منطقة ما يعرف بجنوب الليطاني وعلى مقربة من المراكز العسكرية وعلى امتداد “الخط الأزرق”، باستثناء وجود القوى العسكرية والأمنية اللبنانية وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. وبالتالي فإن تواجد الصيادين مع بنادق الصيد في المنطقة سيعرضهم للملاحقة من قبل الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.
هي معاناة الصيادين المتجددة كل عام في منطقة بنت جبيل، الذين يرون في قرار المنع إجحافاً بحقهم، وقمعاً لهوايتهم الوحيدة التي يمكن اللجوء إليها مهما ضاق الوضع المعيشي الذي أثر سلباً على نفوس اللبنانيين.
يمسح أحد الصيادين جبينه الندي بكمه، ويقول “كنا نركض عالصيد بعد الشغل، ونكب وجعنا هونيك”! حيث يعتبر أن الصيد هو المتنفس الوحيد والملاذ الآمن من هموم الدنيا. ففي دهاليز الوديان التي حفظوا ممراتها منذ زمن الأجداد وتبعهم الآباء، تغتسل حيوية هؤلاء الشبان و كبار السن، على اختلاف أعمارهم، يلقون عن كاهلهم أوزاراً من الهموم ويذرّونها في الهواء مع كل خرطوشة “مشروعة”…فهناك في فيء الأشجار والصخور والشيارات، يبدو تحقيق الأهداف ليس مستحيلاً، “يصلُون” للطرائد يحصون حاجتهم منها، يأكلونها مع آخر رشفة من النهار، ليعودوا إلى منازلهم بسلام.
يقول صياد، رفض الكشف عن اسمه خشية أن تطاله ملاحقة قانونية “نحن منحترم الجيش ومنعرف انو عم ينفذ واجبه، بس أنا صياد عتيق، ما بدي حس حالي ملاحق وعم برتكب جريمة!”
يلفت صياد آخر في حديث لموقع بنت جبيل إلى أنه في 15 ايلول 2017 وخلال اجتماع يمثل الصيادين في منطقة “جنوب الليطاني”، أجاب وزير البيئة حينها طارق الخطيب الذي عمل في على تشريع قانون الصيد البري مع نواب في البرلمان، رداً على سؤاله حول سبب منع الصيد في المنطقة، بالقول أنه لم يستثنِ شبراً واحداً من الأراضي اللبنانية من قراره في فتح موسم الصيد والصيد مسموح على كافة الاراضي اللبنانية دون استثناء. وعلق الصياد مستغرباً “لماذا اليوم عشرات الصيادين يمنعون من ممارسة هواية الصيد في منطقة بنت جبيل الضيقة والتي لا دخل لها بالخط الازرق و البعيدة كيلو مترات عن الحدود؟”.
يقول زميله “هلأ صار الصيد بالمنطقة عنا جريمة”. ويتابع “نحن الصيادين هون منعتبر حالنا حرّاس المنطقة ومنخاف عالشجر والحجر يلي فيها، ووجودنا هو يلي بيمنع قطع الشجر والتعدي عالطبيعة و تسييب الاحراش للمجهولين!”.
كلام الصياد ينسجم مع حديث سابق لمستشارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لشؤون البيئة كلودين عون ، حيث كانت قد أكدت لمجلة “صيد ماغازين” أن مناطق الصيد المسؤول تحمي الطبيعة وتسمح باستضافة صيادين من الخارج وتؤمن الفائدة الاقتصادية.
وللإشارة أيضاً فإن بنت جبيل والقرى التي تم منع الصيد ضمنها ليست ضمن منطقة “الخط الأزرق”، ولكن يُطرح التساؤل هل حقاً القرار 1701 يدمج بين التواجد العسكري المسلح و بندقية الصيد؟
المحامي والباحث القانوني د. ضياء الدين محمد زيباره، أفاد لموقع بنت جبيل أن حجة من يتبنى رأي وجوب منع الصيد في منطقة جنوب الليطاني هي أن المنطقة المذكورة تخضع للقرار 1701، وأن مهمة قوات الطوارئ تشمل مراقبة خلو المنطقة من الأسلحة.
وفي السياق، فنّد المحامي زيباره الأسلحة مستنداً إلى المرسوم الإشتراعي رقم 137 الذي ميّز بين عدة أنواع من الأسلحة، لاسيما الحربية وأسلحة الصيد. حيث أورد المرسوم تصنيف “الأسلحة والذخائر غير الحربية”، والتي تشمل أسلحة الصيد.
وتابع المحامي، أنه بعد مراجعة نص القرار1701 وأسبابه الموجبة، يتبين أنه لا ينص على منع حمل واستعمال أسلحة الصيد. وخلص المحامي إلى أن المنطقة تبقى خاضعة لسيادة الدولة اللبنانية والقوانين المرعية فيها، وذلك لابد أن يشمل بالطبع نظام الصيد البري.
وأما فيما يتعلق بقانون الصيد البري، فيذكر المحامي أنه لم يمنع الصيد إلا في محلات التنزه والحدائق العامة والمحميات الطبيعية والأماكن المصنفة “تراثية”، وعلى مسافة لا تقل عن 500 متر من محلات السكن ودور العبادة والمنشآت الخاصة والعامة.
في سياق متصل، وخلال زيارة رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام اللواء ستيفانو ديل كول لرئيس إتحاد بلديات قضاء بنت جبيل رضا عاشور ورئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزي، منتصف الشهر الحالي، اثير موضوع قرار منع الصيد التي تشددت فيه مؤخراً قوات اليونيفيل. واعتبر رئيس بلدية بنت جبيل ان القرار ظالماً بحق الأهالي والمغتربين الذين يستهويهم الصيد في زياراتهم لبنت جبيل، وهي الهواية المحببة المتوارثة أباً عن جد واكد ان هذه الهواية تستقطب ايضاً الكثير من المغتربين.
وبالعودة للتاريخ، سياسيون كثر اشتهروا بحبهم للصيد، الهواية الموروثة من زمن الأجداد، وتغنّى شعراء الفصحى وشعراء المحكي والزجل بالصيادين…فعلى سبيل المثال، الرئيس كميل شمعون كان شغوفاً بالصيد، ويُروى أنه كان يرمي طبقات “الفلين” ليعوم على الماء، وذلك لحماية طيور الفري خلال موسم هجرتها.
“رجعتونا لايام الحزام الأمني بالمنطقة”! بحرقة يقولها صياد، مناشداً، باسم الصيادين، الجهات المعنية النظر في أمرهم، ويؤكد أنهم بصدد التحرك والإحتجاج، للمطالبة بإنصافهم، ضمن القانون الذي يشرّع الصيد…ويقول “حرام تدفنوا آخر متنفس النا بالمنطقة، ما عنا بديل عن الصيد، اما الخروقات الحقيقة لل 1701 ليست من الصيادين بل من السماء حيث تسرح و تمرح طائرات التجسس الاسرائيلية على انواعها فوقنا في الاحراش والسهول والوديان دون اي رادع “.. و يختم بالقول “معقول عم نعميلها قلبها لل ام كا ؟ “.
داليا بوصي – بنت جبيل.اورغ