لو لم يحضر نواب تيار “المستقبل”، في آخر لحظة إلى ساحة النجمة لكان نصاب الجلسة المخصصة لمناقشة، عفوا للبصم على موازنة العام 2020، قد طار، وبذلك كان من الممكن أن تلاقي كتلة الرئيس الحريري إنتفاضة الشارع في منتصف الطريق، ولكانت حققت له ما حالت القوى الأمنية دون تحقيقه، من خلال الإجراءات الأمنية غير المسبوقة، حيث فاقت أعداد هذه القوى أعداد المتظاهرين المحتجين على عدم دستورية الجلسة.
صحيح أن كتلة “المستقبل” حضرت لإحراج رئيس الحكومة حسان دياب، الذي فاجأها بقبوله تبنّي موازنة لم تعدّها حكومته بل حكومة غيره، وبذلك إنقلب السحر على الساحر، فوجد أعضاء الكتلة أنفسهم محاصرين في أماكنهم، وقد تحدّث بإسمهم النائبان المسيحيان هادي حبيش ونزيه نجم. إلا أن التصويت ضد الموازنة، التي هي موازنتهم، لم يخفّف من وطأة تأمين النصاب لجلسة إعتبروها غير دستورية، وهم يواجهون دياب الذي جلس وحيدًا في المقاعد المخصّصة للوزراء، وكأنهم أرادوا أن يقولوا له إن غد مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة لناظره قريب، ولكل حادث حديث، وأن فرحة الأمس لن تطول وهي لن تخدم الفرحين كثيرًا، فمن يضحك كثيرًا هو من يضحك أخيرًا.
لا شك في أن الرئيس نبيه بري، الذي فعل “السبعة ودمتها” من أجل عقد الجلسة، أمنّ لدياب الغطاء الكافي لكي يستطيع أن يواجه نواب “المستقبل”، الذين أنتزعوا منه موقفًا لم يكن يريد إعلانه، وهو بذلك سجن حكومته وراء قضبان موازنة لم يطّلع عليها، وهو تكّفل بأن يتحمّل أوزارها، خصوصًا أنها غير متطابقة مع واقع ما بعد 17 أكتوبر.
ولأن الإنتفاضة كانت في المرصاد دخلت جلسة الأمس في كتاب “غينيس” على أنها أقصر واسرع جلسة “لأن من يخرج من الجلسة لن يمكنه العودة”، وهذا ما أعترف به الرئيس بري، الذي بقي على أعصابه قبل أن يتبلغ أن كتلة “المستقبل” ستحضر لتأمين نصاب الجلسة السريعة، وكذلك فعلت كتلة “اللقاء الديمقراطي”، التي رأت أن إقرار الموازنة، على علاتها، أفضل من الفراغ.
والمفارقة أن كتلة “المستقبل” صوتت ضد الموازنة فيما إمتنعت كتلة “اللقاء الديمقراطي” عن التصويت، مع العلم أن هذه الموازنة هي من صنع الحكومة السابقة، التي كانت الكتلتان مشاركتين فيها، الأمر الذي يقودنا إلى طرح السؤال التالي: لو أن حكومة الرئيس الحريري هي التي كانت حاضرة بدلًا من حكومة دياب غير الحاضرة فهل كانتا قد صوتتا ضد الموازنة أو إمتنعت عن التصويت؟
على أي حال، وأيّا تكن النتيجة التي أفضت إليها جلسة الأمس فإن ثمة ثابتة وحيدة فرضت إيقاعها على النواب، الذين تسللوا إلى ساحة النجمة تسللًا غير مريح، حيث تجمّع المتظاهرون عند المداخل المؤدية إلى البرلمان وهتفوا بصوت واحد ضد نواب لم يعودوا يمثلونهم، وضد عدم دستورية الجلسة، وقد أظهروا بإعتراف الجميع، بمن فيهم الرئيس بري”الذي فعل السبعة ودمتها” من أجل تأمين نصاب الجلسة، أنهم قد أصبحوا رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية.
ويبقى السؤال في مرمى القوى السياسية عندما يحين موعد جلسة الثقة، وهو: هل سيستطيع الرئيس بري أن يفعل “السبعة ودمتها” مرّة جديدة، وهل ستؤمّن كتلة “المستقبل” نصابها القانوني، وهل ستنام الإنتفاضة على حرير الإستكانة؟
– لبنان 24