لا نعرف ما إذا كان طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من وزارة المالية هو فعلاً لصالح صغار المودعين. فقد توجه قبل يومين بكتاب يطلب فيه منحه “صلاحيات استثنائية” غايتها الإجازة له بإصدار تعاميم تشرّع التدابير التي تتخذها المصارف في تعاطيها مع مودعيها.
الكتاب أوضح أن الهدف هو تنظيم الإجراءات التي تتخذها المصارف وتوحيدها، بغية تطبيقها بشكل عادل ومتساو على المودعين والعملاء جميعاً.
من وصلت إليه نسخة من الكتاب يشعر وكأن سلامة يسعى لجعل التدابير غير القانونية التي تفرضها المصارف على اللبنانيين، قانونية.
لسنا بصدد الهجوم على سلامة ولا المصارف، لكن يحق لنا التساؤل حول الغاية من هكذا كتاب، في ظل ما نعانيه يومياً مع المصارف في كل أسمائها وفروعها. خاصة أن لا أحد يختلف اليوم على أن ما يجري يعود على المواطنين بظلم كبير.
الطوابير التي على أهلنا الإنتظار فيها حتى يصل الواحد منهم إلى الصندوق لسحب مئة أو مئتي دولار على الأكثر، ثم الطريقة التي يتعامل بها بعض موظفي البنوك مع المودعين.
قصص كثيرة من هذا النوع وأكثر صرنا نسمع عنها وأحياناً نشاهدها في مقاطع فيديو يعمد أصحابها الى تصويرها لامتلاك الحجة على شعورهم وتعرضهم للظلم وسوء المعاملة من قبل البعض، وصولاً إلى التعرض الجسدي.
في اتصال “لبنان 24″ بأكثر من شخص يترددون على فروع للمصارف في مناطق لبنانية مختلفة، تبين لنا أن جميعها تقريباً تعتمد الأسلوب نفسه، إذ لا فرق بين فرع وآخر سواء في بيروت أو صيدا أو صور أو طرابلس. الطوابير نفسها، والمحظيون وأصحاب العلاقة و”المونة” لهم أسبقية على غيرهم من المودعين المنتظرين دورهم.
سنعرض لكم الآن قصة واحدة من قصص كثيرة تغص بها بيوت اللبنانيين اليوم.
قصة العمّ جوزيف (72 عاماً) الذي أمضى حياته عاملاً في السعودية، وقرر قبل خمس سنوات “العودة الى الوطن”. حينها، حوّل آخر ما تبقى له من مدخرات في السعودية الى مصرف لبناني. كان ككل الناس. فكر أن يقضي ما تبقى له من عمر بين أهله.
“قررت الرجوع الى بلدي لأموت بين أهلي وعائلتي. قضيت حياتي أعمل ليل نهار”، يقول مذكراً أنه كسواه ممن يعملون في دول الخليج العربي ادخر المال ليصرف على نفسه وعائلته عندما يدهمه الكبر وما يصاحب ذلك من أمراض الشيخوخة.
لكنه اليوم، يعيش ما لم يكن يتصوره. يقف في الطابور الطويل أمام باب المصرف. ينتظر ساعتين حتى يحين دوره.
“أنتظر كثيراً لأحصل على 200 دولار من مالي وتعبي، يعطونني المبلغ بالقطارة”، ويضيف العم جوزيف أنه الآن في أمسّ الحاجة الى المال لشراء أدوية بعدما أجرى عملية جراحية.
ويشرح قائلاً:” مضطر إدفع كل شي من جيبتي”. لكن لا حل أمامه. موظفة المصرف لم تكلّف نفسها عناء التعاطف حتى. يتذكر ملامح وجهها وهي تقترح عليه الحل بالقول “روح اتدين وردن شوي شوي”، قبل أن تمضي الى زبون آخر.
مزيج من الأسى والغصة تشعر بهما في صوت العم جوزيف أثناء الحديث معه.
“لست أنا المسؤول عن إنهيار البلد. فلماذا أحاسَب؟ ولماذا يريدون تطبيق قوانينهم عليّ لا على من يملكون ملايين الدولارات؟”. يطلق تنهيدة ثم يردف “هؤلاء أصحاب نفوذ وواسطة. نراهم في مكاتب المدير وترى الموظفين يركضون لخدمتهم وهم يبتسمون دائماً، أما نحن فكأننا نأخذ مالنا من جيوبهم”.
العم جوزيف ليس أول ولن يكون آخر شخص يتعرض لهذه الصعوبات اليومية. فغيره بات عاطلاً من العمل، ولا يستطيع الوفاء بأدنى شروط الحياة الطبيعية (طعام، شراب، صحة، تعليم) نتيجة الإجراءات القاسية على سحب الأموال.
ويبدو أن الإعتراض القاسي بات ممنوعاً هو الآخر، وربما يودي بصاحبه الى التوقيف في أحد المخافر كما جرى مع البعض.
قصة أخرى تترجم معاناة الناس مع المصارف، فاديا التي تريد السفر الى أميركا لقضاء حوالي شهرين عند ابنتها بحاجة الى مبلغ من الدولارات لكن من دون نتيجة بالرغم من إبراز الباسبور وتاريخ حجز الرحلة.
وهنا تتساءل فاديا وسواها عن أفق هذه المرحلة، ويتمنون لو أن ما يعيشونه مجرد كابوس قصير. وأن تكون الإجراءات التي تتخذ بحقهم، ثم الصلاحيات التي يطلبها مصرف لبنان، أن تصب في مصلحتهم ولا تجعل ما يعانون منه مشروع قانونياً، بل طريق لإجراءات تنشد تطبيق الحل “بشكل عادل ومتساو على المودعين والعملاء جميعاً”، كما يقول حاكم مصرف لبنان.
الرئيسية - أخبار محلية و دولية - يوميات المودعين في المصارف كابوس لا ينتهي… اليكم قصة العمّ جوزيف (72 عاماً)