بالرغم من تحفّظ المصارف، أقرّت لجنة المال والموازنة النيابية اقتراح تجميد الإجراءات التي تتخذها المصارف بحق المتخلّفين عن سداد القروض المدعومة من مصرف لبنان
أنهت لجنة المال النيابية دراسة موازنة 2020، وأعدّ رئيسها إبراهيم كنعان التقرير النهائي، تمهيداً لرفعها إلى الهيئة العامة، بعدما أنجزت وزارة المال بدورها احتساب التعديلات التي أقرتها اللجنة. تلك التعديلات ساهمت في خفض العجز، ما يصل إلى ألف مليار ليرة. لكن مع ذلك، لا أحد ينظر إلى هذه الأرقام بوصفها إنجازاً. كل من في اللجنة يدرك أن تقدير الإيرادات لن يصيب، بل سيتراجع بشكل كبير، فيما النفقات سترتفع. ذلك أمر بدأت تباشيره تظهر في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، ولا يبدو أنه سيُحلّ في المدى المنظور، بما ينذر أن يفوق العجز المحقق كل توقعات. لكن مع ذلك، يبدو جلياً أن التعديلات التي طرأت على المشروع، في لجنة المال، ساهمت في إدخال بعض البنود المتصلة باستفحال الأزمة المالية والاقتصادية.
أبرز ما تضمنه المشروع، في هذا الصدد، هو المادة 36، التي تتعلق بإعفاء المتأخرين عن تسديد القروض المصرفية المدعومة من أي إجراءات عقابية، حتى نهاية حزيران المقبل، مع مفعول رجعي يبدأ من الأول من شهر تشرين الأول.
في الجلسة الأخيرة التي عقدتها اللجنة، بحضور حاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف وعدد من المصرفيين، تحفّظ المصرفيون على الاقتراح الذي قدمه النائب علي فياض. حجتهم أنه يشكل إعادة جدولة للديون. لكن النص النهائي للاقتراح ثُبّت في الموازنة. الإعفاء يشمل كل القروض المصرفية المدعومة من قبل مصرف لبنان، إن كانت إسكانية أو صناعية أو زراعية أو تكنولوجية أو بيئية.
لم يتحوّل الاقتراح إلى قانون بعد. يحتاج إلى إقرار الموازنة في الهيئة العامة حتى يصبح نافذاً. ويُتوقع أن لا يلقى معارضة قاسية، إلا إذا أصر النواب، أعضاء مجالس إدارة المصارف ووكلائها وكبار مودعيها، على الدفاع عن مصالحها على حساب المقترضين. لكن حتى هذه الاعتراضات، إن وجدت، ستكون محدودة، لأن المسألة تطاول شريحة واسعة من المتضررين، وخاصة أن نص الاقتراح حرص على تقديم تسهيلات لا تؤثر على ملاءة المصارف، فلا تعديل لمعدل الفائدة ولا تعديل لمدة القرض، بل تأجيل للاستحقاقات. لكن الأهم أن الاقتراح يمنع المصارف من فرض إجراءاتها المعتادة في حالات التخلّف عن الدفع. فبحسب المستندات التي يوقّعها العملاء لحظة الحصول على القرض السكني، على سبيل المثال، فإنه بعد مرور ثلاثة إلى ستة أشهر، يحقّ للمصرف إلغاء الدعم على القرض وتحرير الفائدة (رفعها إلى معدلها التجاري)، كما يحق للمصرف مصادرة العقار وطرحه في المزاد العلني إذا تأخرت فترة التخلّف عن السداد. هذه الإجراءات سيكون مصيرها التجميد إلى ما بعد نهاية حزيران.
يشدد معدّ الاقتراح على أن هذه المادة لا تعفى من أي قرض ولا تشجع على عدم الدفع، لكنها في المقابل تقيّد إرادة الدائن في حالة التعسر.
خلافاً لما سعى المصرفيون إلى التحذير منه، فقد راعت المادة 36 مسألة الربط بين ملاءة البنوك وقدرتها على تمويل نفسها، وبين حماية المقترضين في ظل الأزمة غير المسبوقة التي يعيشها اللبنانيون. في الأسباب الموجبة، يشير فياض إلى أنه «مراعاة لأوضاع المواطنين، من أفراد وأصحاب مصالح، ونتيجة لخسارة عدد كبير من العاملين في القطاع الخاص رواتبهم أو تخفيضها، جرى إعداد هذه المادة».
أما المادة نفسها فتنصّ على أنه «خلافاً لأي نص آخر، تُعلّق حتى تاريخ 30/6/2020، مفاعيل البنود التعاقدية المتعلقة بالتخلف عن تسديد القروض المدعومة من سكنية وصناعية وزراعية وسياحية وتكنولوجية ومعلوماتية وبيئية، بحيث لا تسري على المقترض أي جزاءات قانونية أو تعاقدية، بما في ذلك زيادة على معدل الفائدة بسبب التأخر أو التعسر في تسديد قرض أو أي من أقساطه في المهل المحددة قانونياً أوتعاقدياً، اعتباراً من 1/10/2020. وتعلّق جميع الإجراءات القانونية والقضائية التي بوشرت أو اتخذت اعتباراً من الأول من تشرين الأول.
وخلافاً لما يسوقه أصحاب المصارف، يصرّ النائب علي فياض على أن هذه المادة لا تشكّل إعادة هيكلة للديون ولا إعادة تشكيل للفائدة Rerating. كما يلفت إلى أنه بعد انقضاء الستة أشهر، لا يكون بإمكان المصارف العودة إلى تحصيل الفائدة بمفعول رجعي.
إضافة إلى تمديد مهل القروض، راعت موازنة 2020 عدم استفادة اللبنانيين من التسهيلات التي تضمّنتها موازنة عام 2019، بسبب الأزمة التي طاولت بتداعياتها كل الأفراد والشركات. ولذلك نصت المادة 22 منها على تمديد المهل المنصوص عليها في عدد من المواد الواردة في قانون موازنة عام 2019، والتي تتعلق بخفض الغرامات وتمديد مهل السداد والإعفاءات وتقسيط الضرائب (المواد 21، 22، 28، 29، 30، 32، 33، 34، 35، 36، 37، 38، 39، 40، 41، 49، 51، 58، 70).
في المادة 37، أقرت اللجنة وجوب أن تستوفي الدولة جميع الضرائب والرسوم والأجور عن كل أنواع الخدمات التي تقدمها، عبر مختلف أنواع المؤسسات المملوكة أو الممولة أو المدارة، كلياً أو جزئياً، من قبل الدولة، بالليرة اللبنانية فقط، بما فيها دفع إيجارات المباني المستأجرة من قبل الدولة.
وإذا اقتضت الضرورة معادلة الليرة اللبنانية بأي عملة أجنبية بالنسبة إلى أجور بعض الخدمات، فيكون ذلك إلزامياً وفقاً للتسعيرة الرسمية التي يفرضها المصرف المركزي اللبناني. تلك الإجراءات تتعلق حصراً بالإيجارات الحكومية، إلا أن في اللجنة من بدأ الحديث عن إمكانية استيفاء بدلات الإيجار المسجلة بالدولار، بما يوازيها بالعملة الوطنية بالسعر الرسمي لا بسعر السوق.
كذلك، فقد تضمنت المادة 40 النص القانوني المقترح لتعديل قيمة ضمان الودائع المصرفية المشمولة بضمانة مؤسسة ضمان الودائع المصرفية. بحيث تضمن المؤسسة لدى المصارف العاملة في لبنان الودائع بالعملة اللبنانية وبالعملات الأجنبية مهما كان نوع هذه الودائع أو أجلها. وتشمل الضمانة، لغاية مبلغ خمسة وسبعين مليون ليرة لبنانية أو ما يعادله بالعملات الأجنبية رأسمالاً وفائدة، مجموع حسابات الودائع العائدة لمودع واحد لدى أيّ مصرف ويعتبر مركز المصرف وفروعه مؤسسة واحدة
-الاخبار