الرئيسية - أخبار محلية و دولية - مرحلة جديدة من الأزمة.. المسؤولون يبحثون توزيع الآلام على اللبنانيين

مرحلة جديدة من الأزمة.. المسؤولون يبحثون توزيع الآلام على اللبنانيين


تحت عنوان كيف يتوزع اللبنانيون آلام الأزمة؟، كتبت فيوليت غزال بلعة في “Arab Economic News”: بعد اليوم الستين لإنطلاق ثورة اللبنانيين، لا يزال الشارع يهتزّ على وقع هتافات تطالب بإسترجاع حقوق سلبتها سلطة، يبدو أنها لا تبالي بفترات سماح صادرة من المجتمع الدولي، ولا تحتاج إلا إلى قرار وإرادة بإختيار طريق الخلاص.
بعد اليوم الستين لإنطلاق الثورة، يواصل الإقتصاد اللبناني وبكل مكوناته، الإنزلاق نحو مفارق خطرة باتت بعيدة عن الإنقاذ المنشود، رغم مناشدات أصدقاء لبنان، ومبادارت الدعم من أشقاء خليجيين، ومطالبات رفعها رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري حيال المجتمع الدولي من أجل “مساعدة مالية” تختلف كليا عن برامج الإنقاذ التي يحدّدها صندوق النقد لطالبيها من الدول المأزومة.

لم يخرج اجتماع باريس لمجموعة الدعم الدولية للبنان عن الإطار الذي كان مرتقبا له. فالدواء للداء المزمن، باتت معروفة علاجاته الناجعة، ولا حاجة لوصفات جديدة تفذلكها مؤسسات مالية ومصارف وصناديق أو مكاتب إستشارية. لذا، لم يفضِ الإجتماع إلى نتائج فورية، وهذا ما كان مرتقبا من الشكل كما المضمون. في الأول، لم يرتقِ اللقاء إلى مستوى “الصف الأول” للقادة، بما يعكس حجم الإهتمام ببلد لم يصغِ لسنوات إلى نصائح تلقاها لتصويب إنحرافات أصابت الأداء العام. وفي المضمون، كانت مرتقبة التوصية التي أكدت وجود “حاجة ملحة لأن يتبنى لبنان حزمة إصلاحات إقتصادية مستدامة وشاملة وذات مصداقية”.

هل هذا يعني نهاية الطريق بين لبنان والمجتمع الدولي؟ بمعنى أدق، هل يعني إنضمام لبنان فعليا، ولو من دون إعلان رسمي، إلى دول “مثلث العقوبات”، وما صدر منها أخيرا في حق “داعمين” لـ”حزب الله” هو خير شاهد؟

يقول فريق المتشائمين الذي يفوق بعديده فريق المتفائلين، إن الواقع الذي بلغه لبنان هو أبلغ دليل على ذلك. فالإنكماش الاقتصادي بدأ وسيستمرّ أقله في أمد السنوات الثلاث المقبلة، إن أخذت السلطة قرار الإنقاذ، وباشرت بترجمته بدءا من اليوم. ويشير هؤلاء إلى سلسلة مؤشرات سلبية ستقود لبنان إلى مرحلة جديدة من الأزمة، “قد تكون أصعب، وستفرض على المسؤولين البحث في كيفية توزيع الآلام على اللبنانيين… كل اللبنانيين”. وهذا يستدعي أن تمدّ السلطة يدها إلى جمهورها وشعبها ومجتمعها، وهي تدرك جيدا أساليب الدعم، لمزيد من التكاتف والتعاضد تعزيزا لقوة الصمود. فهل هذا ما تفعله؟

حتى اليوم، لم يتلمس اللبنانيون خيرا من أداء السلطة. فإيقاع الستين يوما في الشارع، لم تنجح كما يبدو، في إقناع مسؤولي السلطة بأن سبل المقاومة ضاقت إلى حد لم يكن متوقعا قياسا بسرعة الإنزلاق. فما يعني أن يُحرَم اللبناني من حقه بتحديد مسار سيرته المهنية (تهديد بفقدان الوظيفة مع “موضة” نصف الراتب بسبب الأزمة) والإقتصادية (إنعدام التوازن بين المدخول والمصروف) والمالية (تراجع القدرة الشرائية ومدخرات موجودة بـ”أمان” في المصارف، ولكن مجمّدة أو بـ”القطارة”!)، والإجتماعية (قلق يتسبّب بتعميم حالات اليأس وبروز ظاهرة الإنتحار).

هو واقع جديد لم يلقَ أي صدى خارج إطار شارع الثوار. فأهل السلطة في وادي التكليف، يبحثون في كومة القش عن “كبش” قابل لحمل كرة النار. وحده رئيس الحكومة المستقيل ردّ مخاطبا المجتمع الدولي بتصوّره “أن الخروج من الأزمة يستوجب الإسراع في تأليف حكومة إختصاصيين، تشكل فريق عمل متجانس وذي صدقية، مؤهل لتقديم إجابات على تطلعات اللبنانيين بعد 17 أكتوبر، وإعداد “خطة إنقاذية” وتطبيقها بالدعم الكامل من أشقاء لبنان وأصدقائه في المجتمع الدولي، ومن المؤسسات المالية الدولية، والصناديق العربية”.

تصوّر ترافق ومطالبة الحريري مؤسسات المجتمع الدولي بـ”مساعدة تقنية”، وهي تختلف تماما عن الـ”برنامج الإنقاذي” الذي يطرحه صندوق النقد الدولي. ويعتبر المتشائمون أن أي تلبية لهذا الطلب، سيُترجم بسلسلة مشورات ونصائح وليس وصفات تفصيلية، لا يزال بعضهم يخشاها رغم أن فداحة الأزمة تفوقها حجما ومفعولا. لكن، حتى الآن، ما من خبر يؤكد أن ثمة إستجابة للطلب، بإستثناء مبادرات المساعدة التي صدرت من دولة الإمارات دعما للأمن الغذائي والدوائي (!) ومن دولتي قطر ومصر للمساهمة في حلّ الأزمة.. مواقف غابت عنها المملكة السعودية تماما كما تغيّبت عن اجتماع باريس، في مشهد يستدعي أكثر من سؤال.

وإلى فريق المتفائلين، يمكن القول إن القليل من المتبقي هو الذي يمكن البناء عليه. فرغم صعوبة الحدّ الذي بلغه لبنان بعد فقدان الثقة بكل مؤسسات الدولة إنطلاقا من أداء مسؤولي السلطة السياسية بكافة أحزابها بعد فشلهم في إدارة شؤون البلاد التي دخلت في مرحلة خطيرة منذ تسلموا مقاليد الحكم في لبنان. ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن الفريق السياسي سيُضطر مرغما تحت ضغط الشارع المتصاعد مترافقا مع ضغط المجتمع الدولي، إلى إختيار حكومة إختصاصيين مستقلّة لتتولّى مهمة الإنقاذ في خلال مهلة ستة أشهر إلى سنة، وفق برنامج إصلاحي مدعّم بمساعدات دولية على شكل قروض ميسّرة من “سيدر” والبنك الدولي فضلا عن دفق إستثماري يبحث عن منصة آمنة تشكل نقطة إنطلاق نحو عملية إعادة إعمار سوريا والعراق.

وتبعا لشكل الحكومة ومضمونها، سينخفض وفق المتفائلين، منسوب أزمة السيولة ويعود سعر الصرف إلى الاستقرار حتى وإن إرتفع عن المستوى الذي كان عليه، فيما يرتأي هؤلاء تحرير عمليات الـ”كابيتال كونترول” ليرتفع سقف السحوبات الأسبوعية، وتطبيق الـ”هير كات” على أصحاب الودائع الكبيرة وفق آلية تقضي بتحويل المبالغ المقتطعة إلى مساهمات في رساميل المصارف بعد تعزيزها إنفاذا لتعميم مصرف لبنان (رفعها بنسبة 20% في 2019 و2020)، بما يوّسع قاعدة المساهمين وينعكس إيجابا على قرارات المصارف وخياراتها المستقبلية.

هي فترة مخاض لا بدّ من دخولها، ويؤمل في ألا تطول لأن ما من أحد يفكر كيف يمكن أن يتوزّع اللبنانيون آلام الأزمة!
المصدر: فيوليت بلعة غزال – Arab Economic News