طلبه صلاحيات تشريعية استثنائية للحكومة حتى تقوم وحدها بدور المجلس النيابي والوزاري في آن، على أن تكون أولى مهماتها وضع قانون انتخابي جديد يمهد لانتخابات نيابية مبكرة. أما التمثيل الوزاري للأحزاب السياسية في الحكومة الاستثنائية، فيخضع لشرط الحريري بتسمية وجوه غير مستفزة، في مقابل تسميته للوزراء التكنوقراط بنفسه. تضييع الحريري الوقت في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد ساهم في حرق المزيد من الأسماء المطروحة لرئاسة الحكومة كسمير الجسر وبهيج طبارة. يحصل ذلك على وقع اعلان مجهول يدعو الى العصيان المدني اليوم عبر قطع الطرقات، من دون أن تتبناه أي من المجموعات المدنية الناشطة في وسط بيروت. اللافت ان قطع الطرقات بدأ مساء من البقاع الغربي حيث نفوذ تيار المستقبل من خلال وضع بلوكات اسمنتية على طريق جب جنين – كامد اللوز، وامتد ليشمل مستديرة كسارة زحلة، غزة، المرج، تعلبايا، سعدنايل، جديتا وقب الياس. سبق ذلك اضرام النيران بمستوعبات حديدية على تقاطع المدينة الرياضية بالتزامن مع قطع الطريق على برج الغزال وانطلاق مسيرة للسيارات من مزرعة يشوع في المتن الشمالي مرورا بعدد من المناطق المحاذية وصولا الى انطلياس، حيث تم قطع الاوتوستراد بالاتجاهين. تلاه قطع طريق جل الديب بالاتجاهين أيضا. كذلك نشر ناشطون في حراك صيدا اعلانا عن اضراب عام منذ ساعات الفجر في المدينة يتخلله قطع للطرقات، فيما قُطِعت طريق بيروت – الجنوب في الناعمة وخلدة ليل أمس. قطع الطريق في منطقة الرينغ في بيروت تحوّل إلى شرارة لمشكلة أمنية خطيرة. فقد تبعه خلاف بين المتظاهرين وشابين مرّا في المنطقة على دراجة نارية. لكن الخلاف الذي وصفه متظاهرون بـ«العابر»، لم يبقَ كذلك. اتت مجموعة من الشبان، قيل إنها من الخندق الغميق، لتعتدي على الذين اختلفوا مع راكبَي الدراجة. وقع تلاسن ثم تضارب ثم شتائم. بعد ذلك، احتشد عشرات الشبان من منطقة الخندق الغميق، وهاجموا المتظاهرين في الرينغ، بذريعة أن أحدهم شتم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. سرعان ما انقسمت الجموع إلى معسكرين. القوى الأمنية كانت تتصرّف كمن «يلهو». فلا هي منعت قطع الطرق، ولا هي حالت دون وقوع الخلاف مع بداية قطع الطريق، ولا هي منعت تفاقمه. وهذا الاداء من قبل الجيش وقوى الامن الداخلي يُنذر بالمزيد من الفوضى، في حال لم تتخذ قراراً واضحاً، تتحمّل مسؤوليته حكومة تصريف الأعمال بشخص رئيسها الذي قرر، على ما يبدو، التفاوض بقطع الطرقات. على الحريري أن يختار: إما أن يمنع قطع الطرق، أو يطلب من الجيش والقوى الامنية حماية من يقطعون الطرق. البقاء بلا هذه ولا تلك يعني فتح الباب للفوضى الأمنية المتنقلة.
ما جرى امس، سياسياً وامنياً، سبق وصول الموفد البريطاني ريشارد مور اليوم الى بيروت في جولة استطلاعية مشابهة لجولة الموفد الفرنسي الأسبوع الماضي. ومور هو الرجل الثاني في الخارجية البريطانية وأحد أهم المفاوضين في الملف النووي الايراني. على جدول أعمال الموفد زيارة لكل من الرؤساء الثلاثة ليغادر بعدها. الا أن أهم ما يحمله، وفقا لمصادر دبلوماسية غربية، يرتكز حول ثلاث نقاط:
1- عدم اعتراض الرباعية الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا) على عدم عودة الحريري الى رئاسة الحكومة شرط ألا يستفز اسم رئيس الحكومة المقبل الساحة السنية في لبنان
2- لا وجود لأي ربط ما بين مسار «سيدر» والحريري
3- لا فيتو على مشاركة حزب الله في الحكومة
وتشير المصادر الدبلوماسية إلى أن الاوروبيين راغبون في ايجاد مخرج سريع للأزمة الحكومية نتيجة القلق من الوضع الاقتصادي وعطفا على تقارير تصل من قبل دبلوماسيين اوروبيين في بيروت بشأن المخاوف المتزايدة من انهيار الوضع المالي كليا. فضلا عن أن البريطانيين يستغلون هذه الأزمة لاعادة تفعيل العلاقات مع دول المشرق العربي، معوّلين على قدرتهم التأثيرية على الأميركيين التي تفوق قدرة الفرنسيين. وتتشارك بريطانيا والولايات المتحدة الخشية نفسها من تعاظم الدور الروسي في الساحة اللبنانية وتلقيهما مؤشرات جدية على محاولة الروس التأثير في بعض الملفات، مما يتطلب تحركا سريعا من قبلهما. غير أن البريطانيين يرون أن أي بحث في نزع سلاح حزب الله في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة «ضرب من الجنون» ويتوافقون مع الفرنسيين على أولوية معالجة الانهيار المالي و«تنفيذ الاصلاحات».
مروان طحطح – الاخبار