كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية” تحت عنوان “برّي للحريري: الهروب ممنوع”: “إنتهى الحراك الشعبي الى انسحاب من الطرقات الى الساحات، وبدأ العراك على كل المستويات لاستيلاد حكومة يفترض أن تكون “أم الحكومات”، لأنّ عليها التصدي لأزمة باتت “أم الأزمات”، ألا وهي الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة التي دفعت الناس الى الشارع…
يبدو أنّ “أم الأزمات” هذه بدأت تدفع بعض من في السلطة وحولها الى الابتعاد عن المسرح السياسي، أو “النأي بالنفس” عن الاستحقاقات الماثلة، بل عن الأزمة السائدة برمّتها، ما يدلّ الى انّ هذه الأزمة صعبة الحل، وربما تكون، حسب تعبير البعض، “مُحرقة” لهذا السياسي أو ذاك في حال الفشل في توفير المعالجات اللازمة لها.
لكن يُسجّل، في غمرة الاتصالات الجارية تحضيراً لإنجاز الاستحقاق الحكومي تكليفاً وتأليفاً، انّ البعض يُعبّر عن زهدٍ بالكرسي سرعان ما يتبيّن أنه مُصطنع، أو ناجم من رغبة في الابتعاد عن الواجهة السياسية بأقل خسائر ممكنة في انتظار ما سيؤول إليه مصير الأزمة، التي يبدو أنّ جزءاً منها اصطُنِع في بعض الغرف السوداء الداخلية والخارجية لتحقيق غايات معينة تتجاوز الوضع الداخلي اللبناني الى ما يتصل بأزمات المنطقة وما يدور حولها من حروب هنا ومشاريع تَسووية هناك”.
وأضاف: “لا يعتقد كثيرون انّ تلويح الرئيس سعد الحريري بالعزوف عن تأليف الحكومة هو تعبير عن رغبة نهائية بالابتعاد عن المسرح السياسي وعن السلطة في هذه المرحلة بسبب ضخامة الأزمة السائدة سياسياً واقتصادياً ومالياً، ولكنّ البعض ينصح الحريري بهذا الابتعاد تاركاً لغيره مهمة التصدي لهذه الأزمة لعلّه يُنهيها فيرتاح هو ويُريح غيره. علماً أنّ بعض القوى السياسية التي حاولت، بل ركبت موجة الحراك الشعبي ومطالبه، إنما أرادت الهروب من الأزمة عبر الابتعاد عن السلطة والتفَلّت من شراكتها مع الافرقاء الآخرين في المسؤولية عن الأزمة التي تراكمت منذ 30 عاماً، كانت خلالها هذه القوى مُجتمعة شَريكة في السلطة وفسادها على كل المستويات.
لا يُخفي الحريري رغبته الخروج من رئاسة الحكومة الى رحاب المجلس النيابي، أمام غالبية مَن يلتقيهم هذه الايام، وقد كان صريحاً في التعبير عن هذه الرغبة بقوة أمام الوزير علي حسن خليل الذي نقلها سريعاً الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي كان له على الأثر إتصال بالحريري وَصفه قطب سياسي كبير بأنه “حار جداً”، حيث فاتَحَه خلاله برغبته عدم تولّي رئاسة الحكومة الجديدة. لكنّ بري أكد للحريري أنّ عليه البقاء مع الجميع في تحمّل المسؤولية لمعالجة الأزمة التي تعيشها البلاد سياسياً واقتصادياً ومالياً، وقال له ما معناه: “ماذا أنت فاعل؟ إنّ الهروب من تحمّل المسؤولية في هذه المرحلة ممنوع”.