تحت عنوان تأخير الاستشارات يهدد بالفراغ.. والشارع الى مزيد من التصعيد، كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: تدخل إستقالة الرئيس سعد الحريري اليوم أسبوعها الأول، في ظل إستمرار رئيس الجمهورية في القبض على مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد، في خطوة تعتبر سابقة في تاريخ تشكيل الحكومات، وتشكل مصادرة لصلاحيات الرئيس المكلف من خلال مشاورات التأليف قبل التكليف التي تشهدها أروقة قصر بعبدا ويجريها حينا رئيس الجمهورية ميشال عون وأحيانا الوزير جبران باسيل الذي يبدو أنه يسعى الى وضع نفسه في مصاف رئيس الحكومة سواء بوضع يده على قرارات قصر بعبدا، أو بربط عودته الى الحكومة أو عدمها بالرئيس الحريري.
بالأمس إنكسرت القطيعة بين الحريري وباسيل التي دامت لأكثر من شهر، حيث زار الأخير بيت الوسط وعقد لقاء مع رئيس الحكومة المستقيل على مدار أربع ساعات لم يرشح منه أو عنه شيئا بسبب التكتم الشديد من الطرفين، إلا أن عدم مبادرة رئيس الجمهورية حتى ساعة متأخرة من ليل أمس الى تحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة، يؤكد أن أي توافق على شكل وطبيعة الحكومة لم يحصل، وأن وجهات النظر لم تكن متطابقة، ما يعني أن تحديد مواعيد الاستشارات قد يطول، وأن الأزمة الحكومية تتجه نحو مزيد من التصعيد على وقع الشارع المنتفض والثائر على السلطة.
تشير المعطيات الى أن الرئيس الحريري يصرّ على العودة الى رئاسة الحكومة، وأن كثيرا من التيارات السياسية باتت مقتنعة بضرورة هذه العودة خصوصا أن تسمية مقرب من الحريري لرئاسة الحكومة سيجعله يعود إليه في كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي لا داعي لهذه “الواسطة” طالما أن تسمية الحريري تختصر كثيرا من الوقت والجهد، لكن المعضلة الأساسية هي هل ستكون عودة الحريري بشروطه أم بشروط بعبدا ما يتطلب منه تنازلات لا يمكن لشارعه أن يحتمل آثارها أو تداعياتها، خصوصا بعد إنطلاق ثورة تشرين التي لم يعد من الممكن تجاهلها مطالبها أو القفز فوق تمثيلها؟.
يقول مقربون من الحريري أن ما حصل كان له بعض الايجابيات عليه لجهة: أن الاستقالة حفظت ماء وجهه أمام شارعه الذي عاد قسما منه للتعاطف معه، وأنه من خلالها تخلص من السيف السياسي المسلط فوق عنقه والمتمثل بالثلث المعطل الذي يملكه الوزير جبران باسيل وهو لوّح به أكثر من مرة، وإستخدمه بتعطيل مجلس الوزراء بعد حادثة قبرشمون، إضافة الى أنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة ما يزال الحريري يشكل خيارا متقدما لدى معظم الفرقاء لاستكمال برنامج الدعم الدولي من مؤتمر سيدر وقروض أخرى إنطلاقا من علاقاته الدولية، فضلا عن أن كل ساحات الثورة إجتمعت على قاسم مشترك هو كيل الشتائم والاتهامات للوزير جبران باسيل، ما يجعل عودته الى الحكومة الجديدة أمرا مستفزا جدا للشارع الذي قد يستمر في ثورته، خصوصا أن باسيل كان له الفضل في إعطاء الثورة وساحاتها زخما ودعما كبيرين بعد مرور 18 يوما، من خلال المسيرة التي نظمها لتياره الى قصر بعبدا، لذلك وحفاظا على ماء وجه باسيل فإن الحكومة المقبلة قد يُعتمد فيها فصل النيابة عن الوزارة لفتح باب الخروج منها لباسيل بشكل لائق.
لكن، يبدو واضحا أن باسيل ما يزال مصرا على دخول الحكومة، لذلك فإنه يربط مصيره بمصير رئيس الحكومة وهذا أمر ترفضه قيادات المستقبل وكذلك الشارع السني، لأن ثمة فارق كبير بين رئيس الحكومة (رئيس السلطة التنفيذية في لبنان)، وبين وزير فيها مهما كانت حقيبته، علما أن رئاسة الحكومة هي مقعد ميثاقي على غرار رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي، ولا يمكن لوزير أن يقارن نفسه برئيسها، إلا إذا كان باسيل يعتبر نفسه قائمقام رئاسة الجمهورية ويريد فرض شروطه الحريري، عندها سيكون الفراغ سيد الموقف وسيدخل لبنان في المجهول..
المصدر: سفير الشمال