تتحسس أناملها الناعمتين بشغف وحرص، “الكاميرا الديجيتال”، تضغط على زر التقاط الصورة بمنتهى السعادة، كالطفلة التي حظيت بدميتها المفضلة بعد أشهر من تعب المذاكرة، تزداد ملامحها إشراقا وحُسنا، بمجرد تفحصها ذلك الجهاز الأسود، للتأكد من جاهزيته لالتقاط الصور، بمساعدة أحد المتخصصين، الذين تعتبرهم بمثابة عينيها اللتان لم تريا النور منذ الولادة، مبصرة بحدسها عوالما مليئة بالألوان والتفاصيل، محاولةً اقتناصها في لقطات فوتوجرافية من تصويرها.
إسراء يوسف ذات الـ 20 ربيعا، لم تمنعها الإعاقة البصرية التي أصيبت بها دون سبب طبي أو وراثي، من البحث بكثب عن وسيلة لاقتحام مجال التصوير، ذلك العالم الذي عاشت فيه بقلبها وإحساسها رغم أنها لم تشاهده بعينيها قط، محاولة التقاط الصور بكاميرا هاتفها المحمول، إلا أنها تُنتج صورا “مهزوزة” وغير واضحة المعالم، وسط تساؤلات تشغل بالها عن إمكانية عمل المكفوفين في ذلك المجال.
حصلت إسراء على الإجابة في 2015، عندما نمى إلى مسامعها قصة محمد سعد، الشاب السعودي الجنسية الكفيف، والذي تمكن بمساعدة بعض التقنيات والبرامج الذكية الاندماج في ذلك التخصص، ليصبح بمثابة البطل الملهم لها، ما دفعها للاستمرار في السعي لتعلم التصوير.
إسراء يوسف: “صوت الكاميرا لما بتلقط صورة حلو أوي.. بيخطف قلبي”
الصدفة دفعت الشابة السكندرية إلى معرفة ورشة تصوير للمكفوفين منذ شهرين، التي شغلت وقتها دون التقصير في دراستها بقسم اللغة العربية بكلية الآداب، كما خصصت جزءا من يومها، للتخطيط لمشاريع أخرى متعلقة بالكاميرا ومجال الإعلام، على رأسها “إجراء لقاءات مع مشاهير” لبث رسائل إيجابية للشباب، وتدشينها قناةً عبر “يوتيوب” لنشر تلك الحوارات المصورة، كون الظروف لم تسعفها للالتحاق بكلية الإعلام، حيث لا يوجد ذلك التخصص في مسقط رأسها، في ظل صعوبات لسفرها إلى خارج المحافظة بمفردها.
قواعد محددة تعلمتها الشابة السكندرية لاستخدام الكاميرا باحترافية، تبدأ بفتح العدسة، ومعرفتها جيدا للهدف الذي ترغب في تصويره، ثم تعود إلى الخلف عدة خطوات، حتى تكون على بُعدٍ كافِ، قبل ضغطتها على زر التصوير: “صوت الكاميرا حلو أوي لما بتلقط صورة، بيخطف قلبي، وطول ما خطواتي محسوبة صح، الصور هتطلع مضبوطة”.
أول جلسة تصوير أجرتها “إسراء”، في يوليو الماضي، مستعيرة كاميرا من “أباها الروحي” الذي علَّمها التصوير، خالد فريد، لتتمكن من التقاط “فوتو سيشن” في أنحاء وأروقة متباينة داخل مكتبة الإسكندرية، كما التقطت صورا لها ولزميلاتها المكفوفات على أحد الشواطئ.
الشابة العشرينية: تعليقات الناس “أفزعتني”
ردود فعل الأهل والمحيطين بها، شجعتها على التمسك بشغفها، حيث دعمتها والدتها لتحقيق المزيد من النجاح، عقب علمها بالأمر من خلال صفحات على فيس بوك، كما أن كلمات الإعجاب والثناء كانت حاضرة.
أصدقاؤها عبروا عن فخرهم بها، كونها تحدت إعاقتها، وتقول باعتزاز وثقة: “قالولي حاسين إنك ذات قيمة، وأنا قولتلهم لما هحترف التصوير، هوريكوا هعمل إيه وهكسر الدنيا”.
التعليقات التحفيزية ممن لا تربطهم بها أي علاقة، أصابت “إسراء” بالرهبة: “اتخضيت من الكلام الحلو، وخفت الناس بعد كده تنساني”.
المصورة الكفيفة: اتمنى شراء كاميرا تصوير ديجيتال
أحلام “إسراء” لم تتوقف عن تمكنها من التصوير، فلا زالت تتمنى أن تلقتط “فوتو سيشن” للعديد من المشاهير، كنجم نادي ليفربول الإنجليزي ومنتخب مصر محمد صلاح، والممثل مجدي كامل وزوجته مها أحمد بصحبة ابنهما من ذوى الهمم “أحمد”، والمغنى اللبناني وائل جسار، والفنان خالد سليم.
وتحاول أن تتواصل أيضا مع الشركات الكبرى المُصنعة لكاميرات الفوتوجرافية، ليضيفوا تعديلات تساعد المكفوفين على التعامل بسهولة مع تلك الأجهزة، مختتمة حديثها: “أنا عارفة إن مفيش مستحيل، وإني هطور من نفسي بسرعة، وهقدر أشتري كاميرا خاصة بيا”.
المصدر : الوطن