ذكرت صحيفة “الجمهورية” في مقال للكاتب عماد مرمل ان حزب الله يواصل في دوائره المغلقة مناقشة الخيارات الممكنة للردّ على العقوبات الاميركية التي تستهدفه مباشرة او تصيب بيئته، آخذاً في الاعتبار أنّ هذه المعركة الاقتصادية – المالية قد تكون طويلة، ويجب تحسين شروط خوضها.
ولفت الكاتب الى ان الرئيس نبيه بري يشارك في هذه المعركة، انطلاقاً من “الخطوط الامامية”، ولكن على طريقته ووفق “استراتيجيته الدفاعية”.
وبحسب الكاتب، يدرك بري أنّ “المواجهة الديبلوماسية” للطروحات الاميركية أصبحت أصعب وأقسى في ظل رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، بفعل جنوح ادارته نحو خيارات متهورة، من قبيل فرض “عقوبات جماعية” على فئة لبنانية أساسية، بحجة محاصرة “حزب الله” وتجفيف ينابيعه المالية، من دون مراعاة حقوق الانسان التي ترفع واشنطن لواءها.
والنموذج الأسوأ لـ”العقوبات العمياء” التي تفرضها الادارة الاميركية، تمثّل في “إعدام” بنك جمال بدم بارد، ما أدّى الى الحاق الضرر المادي والمعنوي بآلاف المودِعين الذين لا تربطهم أي صلة بـ”حزب الله”، وهو الأمر الذي استفزّ بري كثيراً، بعدما شعر بأنّ هؤلاء تعرّضوا لعقاب ظالم وجماعي يفتقر الى أي مسوّغ شرعي.
الى ذلك فانه وخلال استقباله الموفدين الاميركيين في الآونة الاخيرة، خصوصاً مساعد وزير الخزانة مارشال بلليغنسلي، رفع بري سقفه وبدا صريحاً الى أبعد الحدود في شرح موقفه وتشريح مخاطر العقوبات المتعارضة مع كل القيم المفترضة التي تروّج لها الولايات المتحدة وتبدي حماسة في الدفاع عنها.
ويؤكّد العارفون أنّ بري توجّه الى الاميركيين بالقول: “في مطلع شبابي، كنت في الولايات المتحدة، حيث حصلت على “غرين كارت”، واستوقفني آنذاك أنّه كان لديكم في المجتمع الاميركي اهتمام بمفهوم العدالة، لكن ما تفعلونه اليوم لا علاقة له بتاتاً باحترام العدالة وحقوق الانسان، بل هو سلوك عنصري يتمثل بوضوح في العقوبات الجماعية”.
وكان لافتاً بعد ذلك، أضاف الكاتب في مقاله، أنّ المسؤولين الاميركيين سعوا في تصريحاتهم الى نفي صحة الاتهام الموجّه اليهم بأنّهم يصوبون سهام العقوبات على الطائفة الشيعية كلها، وليس على “حزب الله” حصراً، مؤكّدين أنّها ستشمل كل من يدعم الحزب، بمعزل عن هويته وانتمائه.
وضمن هذا السياق، يروي أحد النواب الذين زاروا واشنطن خلال ولاية الرئيس باراك اوباما للقاء بعض صنّاع القرار في مؤسسات الدولة العميقة، أنّه نبّه الشخصيات الاميركية التي اجتمع بها آنذاك الى أنّ سياسة فرض العقوبات التي تعتمدها واشنطن ليست خاطئة فحسب، “بل أنّ مردودها عليكم سيكون سلبياً”.
وخاطب النائب اللبناني مضيفيه، قائلاً: “على سبيل المثال، انتم تستطيعون أن تعرفوا وجهة تحركاتي، وفي أي فندق أقيم، والى أي مطعم ذهبت، من خلال بطاقة الائتمان المصرفي التي استخدمها، خصوصاً أنّ مصارفنا تعتمد في أنظمتها آلية شفافة، أما العقوبات التي تُفرض على الشيعة اللبنانيين فستؤدي مفاعليها الى أمرين:
الاول، انّ أصحاب الودائع الشيعية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات في المصارف اللبنانية سيخرجون تباعاً من المنظومة المصرفية، وبالتالي ستصبح مداولاتهم المالية ودورتهم الاقتصادية منفصلة عن تلك المنظومة وأدواتها الرقابية. والثاني هو انكم ستصبحون كمن يتحرّك في العتمة ولا يرى شيئاً أمامه بحيث ستفقدون اي قدرة على التدقيق”.
وإذا كان البعض يتهم “حزب الله” بأنه يتحمّل جزءاً من المسؤولية عن تفاقم الازمة الاقتصادية- المالية، لأنّه يتسبب باستجرار العقوبات وما تخلّفه من مضاعفات، إلاّ أنّ هناك في المقابل من يعتبر أنّ العكس هو الصحيح، وأنّه لولا الحزب لكانت الازمة أكبر وأخطر، «إذ انّ الكتلة النقدية من الدولار التي يضخّها في السوق شهرياً، على الرغم من الحصار الذي يتعرّض له، انما تساهم في تعويض جزء من النقص المستجد في العملة الصعبة، وتنتج دورة اقتصادية في بيئته تتفاعل مع “اقتصاديات” البيئات الأخرى، كون السوق اللبنانية متصلة ومترابطة”.
ويدعو اصحاب هذا الرأي الى التوقف عند الانعكاسات المحتملة للسيناريو المعاكس، وما الذي كان يمكن ان يحصل لو أنّ الحزب لا يضخ مقداراً معيناً من العملة الصعبة في الداخل اللبناني، فيما ارتفعت الشكوى من شح الدولار الذي كاد يتحول من عملة صعبة الى نادرة، أو أنّه لا يشارك في التخفيف من أعباء بيئته على الدولة المستنزفة مالياً، سواء عبر تأمين فرص العمل لكثير من الشباب في مؤسساته، أو من خلال تقديم المساعدات الاجتماعية للمحتاجين اليها.
كما يشدّد هؤلاء، على أنّ تحميل الحزب تبعات ارتفاع حدّة الازمة ليس واقعياً، “ذلك انّ المأزق الاقتصادي مزمن ومعالمه بدأت تتشكّل منذ عقود، ثم راح يشتد مع مرور الوقت، في حين أنّ العقوبات حديثة العهد نسبياً”، لافتين الى انّ “الهدف من ترويج البعض هذه المقولة الخاطئة هو دفع “حزب الله”، تحت ضغط العقوبات الاميركية، الى التراجع عن خياراته المتصلة بملف الصراع مع اسرائيل وقضايا الاقليم، الامر الذي لن يحصل”.