في لبنان توجد الآلاف من الأفكار التي يقدّمها مخترعون، والكثير منها لا يقبل التنفيذ على أرض الواقع، إمّا لأنّ صياغتها غير مكتملة، أو لعدم قدرة صاحب الموهبة على الاستمرار في تحقيق المشروع…
لكن في الجنوب اللبناني يبحث الكثير من الشباب عن فرص لإظهار مواهبهم، حتى وإنْ كانت مستحيلة، فتجدهم يغوصون في مجالات البحث العلمي، ليثبتوا أولاً وأخيراً لأنفسهم قوّة أفكارهم وتحديهم للواقع…
من بلدة حاصبيا الجنوبية حلم الشاب وسام مطر (29 عاماً)، والذي درس الفندقية، بتصنيع سيارات رياضية من عيدان البوظة، وقد تحقّق الحلم وصنع سيارات كاملة المواصفات قابلة للسير على جهاز التحكّم لدقّة عملها، لكن هل الدولة اللبنانية تدعم الشاب مطر لتحوّلها من الخشب إلى صناعة لبنانية؟ أم تبقى الدولة غائبة عن تحقيق أبسط أحلام المواطنين، ولو بالدعم المعنوي؟!
تحدٍّ… وعمل
بابتسامة وتحدٍّ في عينيه قال مطر: «كنتُ في التاسعة من عمري حين أحضرتُ كرتونة وصنعتُ منها سيارة، لكنني لم أنجح بالمهمة، ومنذ طفولتي اشتهرتُ بتفكيك كل ألعابي لأعرف كيف تُصنع، حيث كان والدي يشتري الألعاب، لكنّني أفكّكها قطعاً وأُعيد تجميعها بدافع الفضول…
كنتُ أبحث عن عيدان البوظة، هذه الأخشاب المرمية، وأجمعها كي أصنع سيارات في غاية الدقّة والإبداع…
وحالياً أجمع العصي الخشبية، مبرداً، مجلخاً، وقاطعاً.. هذه بعض من العدّة التي تسهّل عملي الذي يستغرق يومياً 4 ساعات، وكل سيارة تحتاج إلى ورشة عمل 3 أشهر بمعدل 4 ساعات يومياً».
وأضاف بفخر: «أكثر من 3 أشهر يستغرق عملي في السيارة، حتى بداخلها الراديو، فأنا أدوّر الأخشاب كيفما أشاء، بعدما أكون قد وضعتُ تصميماً خاصاً، وأمضي في تجميعها جنباً إلى جنب، في عملية شاقة معقّدة ودقيقة، لا يسلكها إلا مَنْ امتهن الصبر، نظراً إلى صعوبتها، وكل سيارة أصنعها هي بمثابة تحقيق حلم خاص، ولو لم أجد مَنْ يدعم أو يشجّع، فأنا أثابر وأهتم بكل شاردة وواردة، حتى تخرج السيارة واقعية، لكن بخشب البوظة».
وتابع: «سيارات عدة أنجزتها حتى الآن، بعضها يمشي عبر آلة تحكّم عن بُعد، وبعضها على البطارية، وأخرى ثابتة، ويكون عملي بدقة، والهندسة التي أتابعها معها حتى تخرج سيارة حقيقية، لكن من الخشب».
مطر الممتشق خشبه المنقوع بالمياه ليلين، ويصبح سهلاً تطويعه، قال: «أنطلق في إنجاز سيارة بورش جديدة، علّها تكون فاتحة خير، ويرى الناس جمال عملي وإبداعي، فكل سيارة جزء منّي، ومن كياني، وأسعى لتنظيم معرض لأعمالي الفنية ذات يوم، بعدما أُنجز أكثر من 15 سيارة متنوّعة الأحجام والأشكال، إذ لم يسبقني أحد إلى هذا العمل، بحيث لم يسبق لأحد أنْ حوّل الخشب الصغير إلى سيارات ذات هندسة، إلا أننا للأسف في لبنان نحتاج إلى دعم معنوي ومادي، لكن الدولة لا تدعم المواهب وأصحاب الأفكار العملية».
وختم مطر: «أتمنّى مواصلة حلمي، فقد بدأت أشق طريقي بصعوبة في وطن لا يدعم المواهب، وحلمي بصنع سيارة حقيقية، تحمل إسمي وتصميمي، طبعاً هذا مشروع مكلف، وصعب تحقيقه لأنّ لا أحد يشجّعه، وتحول إمكانياتي المادية دون ذلك، ومع ذلك سيبقى حلمي الذي سأحققه ذات يوم، رغم أنّ الكثيرين يدعمونني بالكلام، وحين نصل إلى الجد يتخلّون عن وعودهم!».
اللواء – ثريا زعيتر