كتبت عزة الحاج حسن في المدن:
انتشر خبر مقتضب أحدث بلبلة بين المواطنين، مفاده أن “بعض المصارف جمّدت حسابات الزبائن الأونلاين لأسباب متعلقة بتحويل العملة، حتى لو كانت مبالغ ضئيلة. وأول هذه المصارف بنك لبنان والمهجر Blom Bank”، واستتبع الخبر استنتاجاً أن “كارثة ستحلّ بالعملة اللبنانية الأسبوع المقبل، إذا لم يتم ضخ الدولار في الأسواق، كما وإن مخزون القمح سينفذ في الأسابيع المقبلة إلى جانب الوقود”.
الخبر وإن كان مشوباً ببعض العبارات غير الدقيقة والاستنتاجات المتسرّعة، غير أنه يعكس جزءاً كبيراً من حقيقة أن أزمة الدولار دفعت فعلياً المصارف إلى اتخاذ إجراءات “احتياطية”، إذا صح التعبير، للحفاظ على سيولتها من العملة الأجنبية من جهة، ولردع شريحة من الزبائن تحوّلوا في الفترة الأخيرة إلى تجار عملة.
“بلوم بنك” يوضح
وبعد استيضاح “المدن” دقة الخبر أكد مصدر في بنك لبنان والمهجر (blom bank) أن المصرف قام بالفعل بتطبيق إجراءات مدروسة لعمليات سحب الدولار، غير أنه لم يعمد ولا يمكنه أن يقوم بتجميد أي من الحسابات الأونلاين.
ونظراً إلى أن المصارف مُلزمة بتسعير الدولار بحسب سعر السوق، المتراوح يومياً بين الـ 1507.5 ليرة و1517 ليرة، ما يعني أن سحب الدولار عبر آلات السحب الآلية ATM أو الأونلاين E.blom يتم وفق السعر الرسمي له، فذلك دفع ببعض الزبائن إلى تعمّد إيداع الأموال أونلاين بالليرة اللبنانية، وسحبها لاحقاً بالعملة الأجنبية (الدولار) ومن ثم بيعه إلى الصرافين. بمعنى آخر، تحوّل بعض الزبائن إلى تجار عملة، يحوّلون أموالهم من الليرة إلى الدولار وفق سعر الصرف الرسمي ويبيعونه إلى الصرافين بسعر يتراوح بين 1550 ليرة و1570 ليرة للدولار بهدف تحقيق أرباح، ووفق المصدر باتت هذه الوسيلة معتمدة لدى البعض كتجارة يومية.
إجراءات أخرى
تجنباً لخسارة الدولارات لصالح الصرافّين وبعض الزبائن من جهة، وحرصاً على سيولتها من العملة الأجنبية في ظل ارتفاع حدة الأزمة من جهة أخرى، عمدت المصارف ومن بينها بنك لبنان والمهجر إلى تعليق عملية السحب أونلاين بالعملة الأجنبية. كما خفضت سقف التحويلات من الليرة إلى الدولار وبالعكس من 10 آلاف دولار إلى 5000 آلاف دولار، علماً أن خفض سقوف التحويلات كانت قد عمدت إلى تطبيقة العديد من المصارف منذ أشهر.
مصارف أخرى ذهبت أبعد من ذلك، وواجهت أزمة الدولار القائمة في البلد بتعليق عمليات السحب بالدولار الأميركي بشكل تام، ومنها من حصر عملية سحب الدولار فقط بزبائنه وحاملي البطاقات العائدة له، وضمن سقوف محددة، في حين علّقت عملية سحب الدولار من قبل بطاقات مصرفية تعود إلى مصارف أخرى ومنها بنك الموارد وفرنسبنك وغيرها..
أزمة دولار.. وبنزين ودواء
بالعودة إلى أزمة الدولار، وبصرف النظر عن أسبابها، إلا أن نتائجها لم توفّر قطاعاً إلا وطالته سلباً. فالعديد من القطاعات تأثرت بشح الدولار في الأسواق وإخضاعه لما يشبه عملية “الحجر” من قبل مصرف لبنان والمصارف التجارية، ولم تقتصر الأزمة على القطاعات بل طالت المواطنين بشكل مباشر وباتت الأسواق خارج السيطرة لجهة تسعير الدولار.
بدأت الأزمة مع قطاع المحروقات الذي رفع الصرخة أكثر من مرة، بسبب تعليق المصارف تسليم الدولار لموزعي المحروقات والمحطات، ما دفع بالقطاع الى إعلان الإضراب المفتوح وإقفال المحطات خلال الأسبوع المقبل، رفضاً لتحميله أعباء شراء الدولار من الصرافين المسعّر بين 1540 و1570 ليرة.
لم يكترث المعنيون لحل أزمة قطاع المحروقات وتأمين الدولار بسعره الرسمي، أو أنهم عجزوا عن تأمين الدولار والسيطرة على السوق. فتمددت الأزمة إلى قطاعات أخرى تعتمد على الاستيراد من الخارج ويشكّل الدولار مادة أساسية لسيرها، كقطاع الأدوية والقطاعات المرتبطة بمنتج القمح وكافة المستوردات الغذائية.. جميعها مواد معرّضة للنقص، وربما للإنقطاع ما لم يتم حل أزمة الدولار. ووفق معلومات “المدن”، فإن مستوردي المواد الغذائية باشروا بتحميل فارق سعر الدولار الذي يتكبّدونه إلى المواطن المستهلك. وهذا ما يبرر ارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة بشكل كبير في الآونة الأخيرة.