“لكنني أعرف تماماً أنه أبي”. بهذه العبارة، يردّ نادر على زوجته سيمين عندما تذكّره بأن والده المصاب بالألزهايمر “لا يعرف أنّك ابنه”، أثناء جدالهما أمام القاضي في فيلم “انفصال” للمخرج الإيراني أصغر فرهادي. هذا فيلم ربما، لكن على أرض الواقع يحدث أيضاً أن تُطرح أسئلة كهذه الحب والرعاية.
كلمتان لا تكلّ مؤسِّسة “جمعية ألزهايمر لبنان” ديان منصور عن تردادهما. برأيها، هما الحل الوحيد لمساعدة مريض الألزهايمر، في ظل عدم وجود علاج لهذا المرض “الرهيب” حتى الآن. اليوم، في اليوم العالمي للألزهايمر (21 أيلول من كل عام)، المطلوب إعادة ترتيب أساليب التعامل مع المريض المستجدّ في العائلة لأن العلاجات غير آمنة أصلاً. فـ”الدواء يسبب تدهوراً في حالة المريض. ما يخسره مريض الألزهايمر تدريجياً وببطء خلال 20 سنة، مثلاً، يخسره مع الدواء في شهور قليلة”.
هذه الخلاصة وصلت اليها منصور بعد سنواتٍ طويلة قضتها مع أمّها التي “عاشت” الألزهايمر حتى فارقت الحياة. ودعّمتها بخلاصات علمية لمؤتمراتٍ عالمية شاركت فيها، وكان محورها إيجاد علاج لهذا المرض والتعامل الأفضل مع “ضحاياه”.
تعرف منصور أن من “يعيشون” مع الألزهايمر هم أكثر “الفئات تهميشاً”، وهذا ينطبق على «أفضل بلاد العالم”. غير أن الوضع يزداد سوءاً في بلادنا حيث يُحاط المرض بالوصمة والخوف والخجل، ما ينعكس في طريقة تعامل معه تتسم بالقسوة والخشية منه ومن أفعاله. وهذا كلّه سببه “الجهل”. هذا الجهل الذي يبعد المسافة بين من هو عادي ومن يعيش في تلك الدوامة. منصور ألفت تلك الحياة، وصارت تعرف مع الوقت أن خسارة المريض العقلية “لا تعني فقدانه لأحاسيسه”. من هنا “يمكن أن يتعايش الإنسان مع الألزهايمر لسنوات عدة إذا ما أحسن التعامل معه”. لكن، قد يحدث أحياناً أن يشتدّ المرض “وأن يقدم المريض على ارتكاب أفعال وسلوكيات غير محببة، كأن يتعرّى، أو يتفوّه بكلام بذيء، أو يتحرّش جنسياً بمن حوله، ويتهم الآخرين بسرقة أغراضه… في هذه الحالات علينا أن نتعامل معه بهدوء لأن التصرف الفظ معه يؤذيه ويفقده الشعور بالأمان ويدفعه للتصرف بعدائية”.
الألزهايمر بالنسب المئوية
قدّرت دراسة أعدتها الجامعة الأميركية في بيروت عام 2017، وهي من الأحدث نسبياً، “عدد المصابين بلبنان بنحو 30 ألف حالة”. وتقول مونيك شعيا من الفريق العلمي الذي أعد الدراسة، لـ “الأخبار”، إن “3 في المئة هي نسبة الإصابة بالألزهايمر في عمر 60 سنة ترتفع إلى 20 في المئة في عمر 80 سنة، أما فوق الثمانين فإن واحداً من كل 3 أفراد معرّض للإصابة بالمرض، ما يعني أن المجتمع اللبناني أمام تحدٍّ كبير، خصوصاً إزاء ارتفاع نسبة شيخوخة السكان مع الزمن». وتلفت شعيا إلى الضغط الهائل الذي يتعرّض له مقدمو الرعاية لمريض الألزهايمر، إذ يقع من يهتم بالمريض تحت عبء كبير جسدي ونفسي، ومن هنا يتوجب على الدولة أن تفكر في الدعم الذي يجب أن تقدمه له.
بعكس منصور، تقول شعيا إن بعض الأدوية تخفّف من وتيرة تدهور حالة المريض، ومن عوارض الاضطرابات السلوكية التي تظهر لديه. أما في ما يخص الوقاية فتشير إلى أن “ما ينطبق على الصحة السليمة يفيد في الوقاية من الألزهايمر كالغذاء السليم، وممارسة التمارين الرياضية، والاهتمام بصحة القلب التي ترتبط بشكل كبير بصحة الرأس”. كما أن لتمتين العلاقات الاجتماعية والتعلّم أهمية كبيرة في التحصّن ضد الخرف عموماً أو في تأجيل الإصابة به.
التلف التدريجي
الألزهايمر هو أكثر أشكال الخَرف شيوعاً. وبتعريف عام، هو تلف تدريجي في خلايا الدماغ، ويعتبر من اكثر الأمراض شيوعاً عند الأفراد الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، حيث يفقد الدماغ قدرته على معالجة المعلومات وتخزينها بشكل سليم، فيخسر المريض ذاكرته ومنطقه، ما يؤثر على سلوكه ومزاجه ومشاعره، وعلى قدرته على القيام بالنشاطات الحياتية اليومية.
ومن الإشارات المبكرة الدالة على الإصابة بالألزهايمر تأثر الذاكرة القريبة المدى. من هنا، ليس صعباً إدراك مؤشرات الإصابة بالألزهايمر التي تبدأ من النسيان والشك وتكرار الأسئلة وصولاً مع مرور الوقت إلى مشاكل في اللغة والتعبير، وضياع في الزمان والمكان وتراجع التفكير المجرّد.
المصدر : الأخبار