منذ إقرار قانون التأمين الإلزامي للمركبات في 5 نيسان من العام 2003، والمواطن اللبناني يشعر بأن ضيفاً ثقيلاً قد حلّ على ميزانيته السنوية. ضيف لا يقتنع كثير من اللبنانيين بجدواه الفعلية، لكنه فرض عليهم ولا حول ولا قوة لهم، وجاءت ممارسات العديد من شركات التأمين على مدى سنين لتؤكد أن هناك دائماً تهريباً وخداعاً بحق المواطن تمتهن هذه الشركات القيام بهما مهددة اللبنانيين والقطاع برمته بعواقب وخيمة.
قد لا يبدو الأمر جديداً، لكن ما المستجد في فصول هذه القضية اليوم، ولماذا يتم التداول بهذا الموضوع كثيراً في الأيام الأخيرة؟
بحسب مصادر اقتصادية متابعة، “تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة شكاوى المواطنين من جراء تلكؤ عدد من شركات التأمين عن تغطية نفقات الطبابة في موضوع التأمين الإلزامي خلافاً للقوانين. ويبدو مما يكثر تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي أن هذه الشركات تمادت في تصرفاتها وباتت ترسل المصابين من جراء حوادث الطرق لتلقي العلاج على نفقة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو وزارة الصحة”.
أمر دأب عليه عدد من الشركات التي باتت معروفة في السوق اللبنانية منذ مدة، لكن نسبة “التذاكي والالتفاف على القانون” قد زادت مؤخراً بشكل لم يعد بالإمكان التكتم عنه أو احتمال عواقبه وتداعياته. في هذا السياق تكشف مصادر مطلعة أن عدداً من شركات التأمين وسماسرته من النافذين والمقربين من بعض الأفرقاء السياسيين في البلد، يقومون بمحاولات حثيثة للاستفادة من موقعهم بهدف تعزيز سيطرتهم على هذا النوع من التأمين.
وتكمن ماورائيات هذه الاندفاعة في المستويات العالية للعمولات التي يتم تقاضيها من قبل السماسرة، والتي يتم تجيير جزءٍ منها إلى الحسابات الشخصية للمدراء التنفيذيين في عدد من شركات التأمين المعنية عرفاناً بالجميل.
وهكذا يتم تهريب ما يزيد عن 50% من أقساط التأمين التي يسدِّدها المواطن بشكل إلزامي وسنوي في مراكز المعاينة، فيما لا يبقى إلا اليسير لتغطية الفاتورة الصحية الناتجة عن حوادث السير، الأمر الذي يعرض المواطنين لمخاطر جمة. وهنا يطرح السؤال المشروع: أين وزير الاقتصاد ولجنة مراقبة شركات التأمين مما يجري؟ ولماذا السكوت على هذا الواقع المستشري في بلد يعيش أزمات اقتصادية ومعيشية حادة، وهو تحت المجهر من قبل مؤسسات التصنيف الدولية، ولا يحتاج الأمر إلى مصائب إضافية، قبل انهيار الهيكل على الجميع.
ما يجري اليوم من قبل بعض شركات التأمين والسماسرة المحظيين بغطاءات سياسية، ينذر بكارثة اجتماعية ويدق مسماراً إضافياً في نعش التصنيف الائتماني الدولي المنتظر. تكفي الإشارة بحسب خبراء اقتصاديين إلى أنه على المستوى الوطني، وفي ظل التحديات الصعبة التي يعيشها البلد، يبلغ حجم “عملية السطو” هذه ما يقارب الـ 40 مليون دولار أميركي، يتم تقاسمها بين عدد من السماسرة والمدراء التنفيذيين لشركات التأمين. وهذا ما يسعى وراءه جميع المنتفعين من الضغوطات السياسية الحاصلة.
في المقابل، يبدو أن غرق الأحزاب السياسية في بحر الفشل الحكومي والاقتصادي، لم يبقِ لهم إلا مثل هذه “الخدمات” للحفاظ على بعض الزبائنية تمهيداً للانتخابات النيابية المقبلة، وذلك طبعاً على حساب سلامة المواطنين والتصنيف الائتماني للبلد، وحيادية الأجهزة الرقابية. فهل يكون الحل بتجفيف منابع حنفيات السمسرة المحمية وإحالة الموضوع برمته ليصير بيد وزارة الصحة العامة والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي؟
المصدر : إيفون أنور صعيبي – نداء الوطن