كتب موقع ياصور: كسحابةِ صيفٍ عابرة كانت تنذرُ بغزيرٍ من الغيثِ حين يأتي موسم الامطار، او كحلمِ ليلةِ ربيعٍ دافئةٍ عابقةٍ برائحةِ زهرِ الليمونِ في حقولِ الجنوبِ وجنباته، هكذا مرَّ الفتى محمد زعتر ( 14 عاماً) في حياةِ المدينةِ كوكباً مسافراً في صفاءِ ليالي ” صور”، او شهباً محلقاً نحو النجومِ بإندفاعةِ الابطال، لم يكن ليطفئ لهيبَ انطلاقةِ هذا “الشهب” ويخمدَ ضوءَ هذا الكوكب الدري الا السنةٌ من نيران الموت الكئيب، لتفجعَ صور بفتاها المحبوب وهو يؤدي آخر ادوار البطولة في حياته محاولاً انقاذ مسكن متواضع احتضن عائلة شريفة ومكافحة كانت ستخرجُ مستقبلاً، وبلا ادنى شك، رجلاً مرموقاً وناجحاً، الا ان القدر اختار “البطل” مبكراً، لا لشيئ، لكن ربما لان الموت يعشق الابطال كما هم يعشقونه ولا يهابون سطوته !!
محمد محمود زعتر، ابن العام الرابع بعد عقد، تميز وتألق رغم عمره الندي، وكيف لهذا الفتى ان لا يسطع نجمه مبكراً ويلقي في القلوب الحب وفي العقول الاحترام وهو المتألق على اكثر من صعيد والبارز في اكثر من ميدان …
هو شاب ودود خلوق مهذب ، صديقٌ للجميع، كلّي الاحترام، لطيف الكلام والمعشر، وهو التلميذ الذكي النجيب المتفوق في مدرسته “الانجيلية اللبنانية” وبين اترابه، فكان في صدارة زملائه على الدوام، وهو البطل الرياضي المتألق، لم يترك مضماراً في رياضة العاب القوى الا وترك فيها بصمةً وحصد فيها جائزةً، وكان رحمه الله يشق طريق مستقبله بخطى ثابتة وارادة راسخة وتصميم واضح وعزم اكيد … حتى كانت تلك الليلة المشؤومة !
ومحمد لمن لا يعرفه، مكافح منذ الصغر، لم تمنعه الظروف المعيشية الصعبة من ان يكون شامخاً متألقاً بين اترابه، فكان عاملاً كادحاً في كل وقت وجد فيه فراغاً، ليساعد عائلته في مواجهة تكاليف الحياة معيشياً وتعليمياً بعد ان منعت الظروف الصحية والده من العمل، فكان هذا الفتى بطلاً حقيقياً في كل المضامير …
ليل الاربعاء الكئيب، اسدل القدر ستاره عن آخر فصل من فصول الحياة القصيرة لهذا الفتى – الحلم، وأبى محمد الا ان يعيش بطلاً ويستشهد بطلاً، فالأبطال لا يغادرون بصمت بل يصارعون الموت ولا يهابونه وإن كانوا يعلمون ان معركتهم مع الاسود البليد لا منتصر فيها الا قبضته الباردة القدرية …. شبَّ الحريق فجأة في مسكن العائلة المتواضع في حي الرمل ( دوار جنبلاط)، اندفع البطل مساعداً امه وشقيقته ووالده المريض على الخروج من المنزل وعندما اصبح الجميع في الخارج واطمأن الى سلامتهم، عاود الدخول الى المنزل محاولاً ان يهزم النيران بجسده العاري وقبضتاه المجردتان لينقذ منزلاً يأوي اسرته وفي باله ان لا بديل للعائلة وان احتراق المنزل سيكسر ظهر اسرته …. دخل مصارعاً ليسقط بعد لحظات مغشياً عليه من كثرة ما تنشق من دخان فيستسلم لالسنة النار تطفئ ” بصقيعها الازلي ” اخر انفاس الفتى الذهبي الذي عاش بطلاً واستشهد كذلك !!
لقد كتبتَ بأيامك القصيرة حكاية لن تغيب واوقدت من بريق عينيك الوادعتين حكاية امل وحياة، وها هي النيران التي اخمدت حياتك المتوهجة قد انطفأت، فيما ارتفعت تحلق في فضاء الليل الحزين مهجة روحك الطاهرة لتنير دروب الفقراء والمظلومين وتوحي لهم ان هناك من صارعوا الظلم فصرعوه … وانت منهم … رحمك الله
ياصور