موجة شائعات تجتاح البلد، معطوفة على حملة تضليل وتضخيم واستباق لتصنيف إئتماني بحسم سلبيته، وتصوير الواقع وكأنّنا على شفير الإنهيار. وضعٌ استغلته بعض مكاتب الصيرفة، فانفردت برفع سعر صرف الدولار بما يفوق السعر الرسمي، محدثة بلبلة وقلقا في صفوف المواطنين، الذين يستفيقون كلّ صباح على أخبار مقلقة، وكأنّ هناك من يعمل عن سابق تصور وتصميم على ضخّ تلك الأخبار لغاية في نفس يعقوب أو لقلة دراية بنتائج فعلته.
لا أحد يدّعي أنّ الوضع الإقتصادي بأحسن حاله، ولا أحد ينكر أنّنا نعيش أزمة اقتصادية، أرخت بتداعياتها السلبية على مجمل القطاعات، ودفعت بالبعض إلى المطالبة بإعلان حالة طوارىء إقتصادية، وفاقمت الحوادث السياسية من حدّتها وفرضت تعطيلًا للعمل الحكومي على مدى أسابيع. ولكن الواقع الإقتصادي شيء والمالي شيء آخر، فلبنان حتى اليوم لم يتخلّف عن سداد أيّ من مستحقّاته في مواعيدها المحددة، وعمل على إعادة الإنتظام المالي بإقرار موزانة العام 2019 رغم التأخير، وانصرف لإعداد موازنة العام 2020.
وبلغة الأرقام يتحدث كبير الإقتصاديين ومدير وحدة الدراسات في بنك “بيبلوس” د. نسيب غبريل ليؤكّد عبر ” لبنان 24″ أنّه ورغم الشائعات التي تبثّها بعض وسائل الإعلام، هناك حقيقة متأتّية من الأرقام تدحض كل ما يقال، وتؤكّد أنّ الثقة ما زالت موجودة، بدليل ارتفاع الودائع مقدار مليار و300 مليون دولار في شهر حزيران الماضي وهذه آخر الإحصاءات، وارتفاع إحتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بنسبة مليار دولار منذ أوائل تموز، ووصول الودائع في القطاع المصرفي إلى 172 مليار دولار نهاية حزيران. ومهما كان التصنيف فنحن لسنا على شفير الإنهيار ولا الإفلاس وكل كلام من هذا القبيل لا أرضية له “.
نسأل غبريل عن إيجابيته فيقول” لست إيجابيا أو سلبيًا. المسألة مسألة أرقام لا أكثر ولا أقل”. وعن الودائع التي سُحبت من المصارف لفت غبريل أنّ هناك ودائع خرجت في الشهر الأول من العام الحالي على خلفية ما نُسب إلى وزير المال عن إعادة هيكلة الدين العام ولكنّه سارع إلى نفيه نفيًا قاطعًا وكذلك فعل رئيسا الجمهورية والحكومة وحاكم مصرف لبنان، واليوم أحدث الإحصاءات تشير إلى ارتفاع الودائع مقدار مليار و300 مليون دولار في شهر حزيران الماضي.
وكمثال عن حال المبالغة التي تحيط بيوماتنا يشير غبريل إلى الجو الذي سبق إصدار التصنيف الإئتماني، بحيث أنّ بعض وسائل الإعلام أصدر التصنيف من تلقاء نفسه قبل وكالة “ستاندرز أند بورز” وحسم انخفاضه وسلبيته، لا بل أكثر من ذلك، وصل الأمر بالبعض ليقول إنّ الرئيس سعد الحريري ذهب إلى واشنطن ليطلب ضغطًا على الوكالة لتتراجع عن تصنيفها، وهذا كلام أقلّ ما يقال فيه إنّه غير مسؤول وينمّ عن عدم دراية وقلّة معرفة بآلية ومنهجية عمل هذه المؤسسات. وأسهل عمل هو تخويف الناس وإحداث بلبلة بحيث لا يحتاج إلى علم أو معرفة أو ثقافة “.
وليس بعيدًا عن هذه الأجواء أقدمت بعض مكاتب الصيرفة عشية صدور التصنيف الإئتماني على رفع سعر صرف الدولار إلى 1550 ليرة، ما أثار بلبلة. فأي ثأثير لهذا الإجراء ؟ وهل يحقّ للصرافين رفع سعر الصرف وفق ما يشاءون؟
يلفت غبريل إلى محدودية هذا الفعل لسببين، الأول أنّ الكتلة النقدية بالعملات الأجنبية في لبنان بغالبيتها في المصارف التجارية، والثاني أنّ سعر صرف الدولار الأميركي في القطاع المصرفي يُتداول من ضمن الهامش الذي وضعه مصرف لبنان أيّ بين 1501 و 1514، وبين المصارف يتمّ التداول به بين 1512 و 1514. وما يحصل خارج المصارف لا علاقة لنا به لا من قريب ولا من بعيد. كما أنّ ما قام به بعض الصرّافين من رفع سعر الصرف هو ثانوي ولا ينطبق على كلّ الصرّافين، بل عدد قليل منهم يعمد إلى استغلال وضع معين، وبطبيعة الحال هذا الأمر لا يعكس وضع السوق الإجمالي ويتمّ تضخيم الموضوع .
عن لجم هؤلاء قال غبريل ” أكرر ما أعلنه رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود في حديث صحفي، عن وجوب تفعيل الرقابة على عمل مكاتب الصيرفة ومنع هؤلاء من استغلال الوضع”. علمًا أنّ هناك نصوصًا في قانون العقوبات يمكن الإستناد إليها في مثل هذه الحالات، بحيث تنصّ المادة 319 على تغريم وسجن كل من ينشر “مزاعم كاذبة لأحداث التدني في أوراق النقد الوطنية أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الإسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة” . كما وتنصّ المادة 320 على أنّه “يستحق العقوبات نفسها كل شخص تذرع بالوسائل عينها لحض الجمهور إما على سحب الأموال المودعة في المصارف والصناديق العامة أو على بيع سندات الدولة وغيرها من السندات العامة أو على الإمساك عن شرائها”.
يختم غبريل ” الوضع في المصارف مستقرّ وتحت السيطرة، ومصرف لبنان يشرف على العمل المصرفي، وسعر صرف الدولار بين المصارف ضمن الهامش الذي وضعه مصرف لبنان ، وسيبقى سعر صرف الليرة مستقرًا”.
المصدر : نوال الأشقر – لبنان 24