كتبت هديل فرفور في صحيفة “الأخبار” تحت عنوان “نظام تتبّع الهواتف الخليوية: كلفة أعلى وخصوصية أقلّ!” : “قبل أسبوعين، تعطّل الهاتف الخليوي لمحمد عواضة بعدما أبلغته شركة “تاتش” أنها ستوقف تشغيل خطه على الشبكة بسبب “عدم دفع الرسوم الجمركية”، علمًا أنه اشترى هاتفه من احدى الوكالات الحصرية في لبنان بكلفة يفترض أنها تشمل الرسوم الجمركية! سبقت ذلك عشرات الحالات المماثلة اضّطرت من تعرّضوا للأمر نفسه الى دفع كلفة اضافية لإعادة تشغيل خطوطهم.
حدث ذلك بعدما اعتمدت وزارة الاتصالات، بدءاً من الثالث من أيلول الماضي، تقنية جديدة بهدف “ضبط عمليات التهريب”. والتقنية عبارة عن نظام معلومات لشركة “INMOBILES” يتتبّع أجهزة الهواتف الخلوية من خلال تسجيل رقم “الهوية الدولية للأجهزة المتنقّلة” (IMEI)، أو ما يُعرف بالرقم التسلسلي للجهاز، في مصلحة الجمارك ليدرج تلقائيا في النظام على أنه قانوني وشرعي ويجري تعريفه على الشبكة. ولدى استخدامه، يُربط الرقم التسلسلي للهاتف برقم الخطّ الخاصّ بصاحبه لتفعيله. فيما لا يمكن لحامل أي جهاز غير مُدرج رقمه في النظام الجديد، أن يستخدمه أو يفعّل خطه الهاتفي على شبكتي “ألفا” و”تاتش”. وبالفعل، تم وقف عشرات الخطوط منذ اعتماد هذه التقنية”.
لدى مراجعته الوكالة التي اشترى منها الهاتف، أُبلغ عواضة بأن الرسوم الجمركية لجهازه مدفوعة أساساً، وأن «الفوضى هذه سببها تأخّر موظفي وزارة الاتصالات في تفعيل الـ IMEI»! ونتيجة هذا التأخير، يضطّر كثيرون – كما فعل عواضة – إلى دفع 30 دولارا عبر شركة «ليبان بوست» لإعادة تفعيل خطوطهم.
عدد من أصحاب الوكالات الحصرية الذين تواصلت معهم «الأخبار» أكّدوا «وجود بعض المشاكل مع عدد من الزبائن»، لكن من دون تحميل أي جهة مسؤولية هذه «اللخبطة». فأين يمكن الخلل؟ المدير العام للجمارك بدري الضاهر، من جهته، أقرّ بوجود «مشاكل في تطبيق نظام التتبّع لجهة تكبيد الزبائن كلفة إضافية»، لافتاً إلى أن القانون «يجيز للمقيم في لبنان إدخال جهاز واحد من الخارج من دون دفع رسوم جمركية عليه». وذكّر بأن وزارة الإتصالات أجرت بالتنسيق مع المجلس الأعلى للجمارك تفاهماً مع «ليبان بوست» من أجل جباية الرسوم، «وهو اتفاق غير قانوني ولسنا موافقين عليه».
ورغم الوقائع، نفت مصادر في وزارة الإتصالات وجود مشاكل في تطبيق النظام، إذ «يستحيل وقف تشغيل هاتف دُفعت رسومه الجمركية». وأكّدت أن أهمية هذا النظام تكمن في مكافحة التهرّب الجمركي، مُشيرةً إلى ان شركتي الاتصالات «ترسلان تحذيرات مسبقة وتعطيان مهلاً لحاملي الهواتف المخالفة قبل اللجوء الى وقف تفعيل الخط». وشدّدت على أن «هذا النظام يضمن حقوق المستهلك بالحصول على بضاعة غير مقلّدة، ويحفظ في الوقت نفسه حقوق الخزينة التي كان يفوتها الكثير من الأموال. وقد ساهم في الاشهر الماضية في رفع مداخيل الوزارة».
وكان خبراء حذّروا، عندما أعلنت الوزارة نيتها اعتماد هذا النظام، من أن يُشكّل تهديدا جدّيا لخصوصية المُقيمين في لبنان، ومن أن يتحوّل أداة لحماية الوكالات الحصرية وتعزيز الاحتكارات، وبالتالي رفع السعر تلقائيا على المُستهلكين.
مصدر مُطّلع على الملف أوضح لـ «الأخبار» أنّ هذه الفوضى «تعني أمراً من اثنين: إمّا أن عمليات التهريب لا تزال قائمة، وبالتالي يدفع المستهلك الرسوم مرتين، أو أنّ هناك نقصاً أو خطأ في داتا الأرقام التسلسلية لدى شركات الإتصالات». واستبعد أن تكون المُشكلة لدى الجمارك «لأنّ وزارة الإتصالات حلّت عمليا مكان الجمارك وتعهّدت مراقبة الاجهزة المُهرّبة بضغط من أصحاب الوكالات الحصرية». ورأى أن تداعيات هذا النظام بدأت تظهر لجهة تعزيز الوكالات الحصرية ورفع الكلفة على المُستهلك، إلّا أن النتيجة «الأخطر» له تبقى تتعلّق بالمخاوف المرتبطة بانتهاك خصوصية حاملي الهواتف (ربط الرقم التسلسلي للجهاز برقم الخط الهاتفي للمُستهلك في النظام المعلوماتي الجديد تتيح كشف البيانات الرقمية للشركة الجديدة المُشغّلة للنظام).