وصلت موازنة العام 2019 إلى مجلس النواب من دون أن يصل قطع الحساب، الذي يُفترض أن يسبق الموازنة وفق ما تنصّ عليه المادة 87 من الدستور “حسابات الإدارة المالية لكل سنة يجب أن تُعرض على البرلمان ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التي تلي تلك السنة”. فهل يرتكب البرلمان والحكومة مخالفة دستورية جديدة بإقرار الموازنة من دون قطوعات الحسابات تحت ضغط عامل الوقت؟
آخر قطع حساب قُدّم هو عن العام 2003، وبعد 12 عاماً من دون موازنات ومن الصرف وفق القاعدة “الاثنتي عشرية” أُقرت موازنة عام 2017، وتمّ تضمينها مادة كمخرج لعدم إقرار قطوعات الحسابات، أعطى خلالها المجلس الحكومةَ مهلة سنة لإنجاز قطوعات الحساب. ونصّت المادة على ما يلي “على سبيل الاستثناء ولضرورات الانتظام المالي العام، يُنشر هذا القانون (قانون الموازنة) وعلى الحكومة إنجاز عملية إنتاج جميع الحسابات المالية المُدقّقة منذ 1993 حتى سنة 2015، ضمناً خلال فترة لا تتعدّى السنة اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون، وإحالة مشاريع قوانين قطعها الى مجلس النواب عملاً بالأصول الدستورية والقانونية المرعية”. أنقضت مهلة السنة ولم تُنجز الحسابات المالية المدقّقة. أمام هذا الواقع أيّ مخرج ستبتكر قواميسنا السياسية الغنية؟
نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي تحدث لـ “لبنان 24” عن مخرج، على الأرجح لن يكون أمام البرلمان سواه لإقرار الموازنة بلا قطوعات الحساب، مفادُه يعمل ديوان المحاسبة على إنهاء قطع الحساب العائد للعام 2017 فقط، لضرورات إقرار الموازنة، أمّا قطوعات حسابات السنوات السابقة فيستكمل إنجازها من دون ربطها بموازنة 2019 . الفرزلي أوضح أنّ وزارة المال أرسلت قطوعات الحساب عن كلّ السنوات السابقة وحتى العام 2017 إلى ديوان المحاسبة ، الذي يدرس هذه القطوعات، ولكنه غير قادر أن ينجز خلال أشهر معددة قطوعات الحساب العائدة لعشرين عامًا، ولكنّه قادر على إنجاز قطع الحساب لعام 2017 . وبالتالي إذا قبل النواب يمكن أن تقرّ الموازنة بهذه الصيغة مع التحفظ “.
ولكن ألا تشكّل هذه التسوية فيما لو اعتُمدت مخالفة دستورية؟
يجيب الفرزلي “لا تشكّل مخالفة، وهي وجهة نظر شخصية بحثة، لأنّنا عمليًا نطلب من دايون المحاسبة إعطاء رأيه بقطع الحساب لعشرين سنة إلى الوراء، بشكل متسرّع لمجرد إنجازه، وبالتالي قد يكون صحيحًا هذا التدقيق وقد لا يكون، في حين أنّ المطلوب التدقيق في قطوعات الحساب بشكل علمي ودقيق”.
النائب ميشال معوض من جهته وفي حديث لـ “لبنان 24” اعتبر أنّه رغم عدم إنجاز حسابات المهمة “هناك منحى إيجابي أنّه وبعد سنوات من غياب الموازنات ومن الصرف وفق القاعدة الإثنتي عشرية، بحيث لم يكن هناك معرفة لأهمية الموازنة في وضع سياسة اقتصادية ورقابة برلمانية وقانونية وقضائية، نقرّ اليوم الموازنة الثانية، ولكن هذ الموازنة يعيبها أمران، عدم وجود قطع حساب وإقرارها متأخرة بعد إنقضاء أكثر من نصف العام، وبالتالي الإنتظام في العمل المؤسساتي يحصل خلافًا للدستور، كما أنّ الإنفاق وفق القاعدة الإثنتي عشرية لغاية الشهر السادس أو السابع هو أيضًا مخالفة دستورية”.
وفق معوض نحن ننتقل من مرحلة افتقدت إلى الإنتظام المالي والمؤسساتي والدستوري إلى مرحلة نعيد فيها هذا الإنتظام، ولا يمكن القيام بإصلاح من دون مؤسسات وبغياب الموازنات وقطوعات الحساب .ولكن هل الأمر الواقع يعني أنّ المجلس النيابي ذاهب حتمًا إلى إقرار موازنة بلا قطع حساب؟
يقول معوض: “نسمع الشيء ونقيضه، وبرأي قطع الحساب ليس جاهزًا، ومن الضروري أن نبدأ بإنجاز الممكن، فنحن اليوم خارج الدستور والقوانين، ويجب أن نرى كيفية العودة إلى احكام الدستور. من هنا السؤال هل نبقى خارج الدستور بالمطلق أو نقوم بتسويات تدريجية لنتمكن من الإحتكام إلى الدستور والقانون؟”.
إذن ديوان المحاسبة الذي يعاني نقصًا في عدد موظفيه، يستحيل أن ينجز مهمة التمحيص في مئات لا بل الآف الملفات والأوراق في أيام أو أسابيع، من هنا سيعمد إلى إنجاز قطع حساب عام 2017 في أحسن الأحوال، وستُقر الموازنة من دون حسابات المهمة، وسنرتكب مخالفة دستورية مهما حاولنا تجميل الواقع. أمّا الإنتظام المالي الذي نتحدث عنه مع كلّ إنجاز موازنة فلا زلنا بعيدين عنه مئات لا بل الآف الأميال، ليس بسبب قطوعات الحسابات غير المنجزة فحسب، بل بسبب وصول الموازنة إلى المجلس النيابي متأخرة ثمانية أشهر عن موعدها الدستوري المفترض في تشرين الأول وفق المادة 83 من الدستور، وبالتالي سيقر المجلس الموازنة في بداية أو منتصف شهر تموز، ما يقلّص من إمكانية أن تثمر بنودها تقليص العجز بالنسب الطموحة التي تضمنتها، خصوصًا أنّه انقضى أكثر من نصف السنة وصرفت اعتماداتها من قبل الوزارات.