ما إن طويت أزمة الموازنة التي سلكت طريقها نحو مجلس النواب بأقل قدر من الاضرار حتى قفز ترسيم الحدود الى الواجهة، حيث حل ديفيد ساترفليد نجما جديدا في فضاء السياسة في لبنان حاملا معه الملف الذي سيتحدد من خلاله مصير مستقبل ووظيفته ودوره في الشرق الاوسط.
أوجه الشبه بين القضيتين يكمن بكيفية تعامل لبنان مع الخارج، فخفض العجز والاصلاحات المزعومة لم تتحقق بطيبة خاطر بقدر ما هي تلبية لشروط ومتطلبات مؤتمر “سيدر”. أما في ترسيم الحدود البحرية فهناك ابعاد مختلفة، من سلاح “حزب الله” الى التنافس الدولي على تقاسم ثروات الشرق الاوسط .
من دون الغرق في طبيعة مهمة ساترفيلد وما يحمله من مقترحات اميركية وردود إسرائيلية يبدو لافتا تولي الرئيس نبيه بري دفّة القيادة و تظهير الموقف اللبناني حيال الترسيم الحدودي مع العدو الاسرائيلي، مع الاشارة الى ان وزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو،وخلال زيارته للبنان ربط بين عملية ترسيم الحدود البحرية لفض النزاع حول حقول الغاز و النفط وبين ما اسماه متطلبات القرار الدولي 1701 و سلاح “حزب الله” .
هنا تسجل سلسلة مفارقات ينبغي الوقوف عندها على هامش زيارة ساترفيلد، أهمها على الاطلاق البرودة التي تطبع أجواء “حزب الله” حيال المطالب الاميركية تجاه لبنان، والتي لا تخلو من التلويح و الضغوط والتي عبّر عنها بومبيو شخصيا عند حديثه على ضرورة اضطلاع السلطة اللبنانية بدورها في نزع سلاح “حزب الله”. أما المفارقة الاشد دلالة فهي محاولة لبنان فرض عودة النازحين السوريين وايجاد حل لللاجئين الفلسطينيين على مقربة من ابرام صفقة القرن برعاية اميركية كاملة .
من الجهة اللبنانية، يبدو واضحا أن لبنان وعلى لسان الرئيس بري قد حققا انجازا ديبلوماسيا عبر رعاية الامم المتحدة المفاوضات مع إسرائيل الى جانب حضور للمندوب الاميركي، لكن وعلى غرار كل التعاطي السياسي ينبغي التنبه الى “المعاكسات السياسية ” التي قد تساهم في إضعاف الموقف اللبناني في مواجهة التحدي الجديد عبر الحفاظ على ثرواته النفطية وحسن ادارتها، فقد كشف النقاش الحكومي حيال الموازنة هشاشة وضع الدولة وانسياق الطبقة السياسية صوب مصالحها وطموحاتها على حساب المصلحة الوطنية .
يربط مراقبون بين طرق تعامل لبنان مع الخارج سواء مع فرنسا عبر رعايتها لمؤتمر “سيدر” أو أميركا في عملية ترسيم الحدود أو روسيا في إشرافها على الملف السوري أو حتى مع أطراف دولية أخرى وبين الحسابات الرئاسية بصفتها البوصلة التي تحكم كل تصرفات القوى السياسية في ظل العهد الحالي.
ويشير هؤلاء الى أن نهج وتعاطي وزير الخارجية يبدو واضحا لناحية العمل على تأمين إمتداد تلقائي لعهد العماد عون عبر بقاء الرئاسة الاولى في عهدة “التيار الوطني الحر”، إذ ليس صدفة إصرار باسيل شخصيا على الاحتفاظ بحقيبتي الخارجية والطاقة في الحكومة الحالية كونها ورقة رابحة رئاسيا ينبغي توافرها والبناء عليها.
في هذا الاطار كان فاقعا تصرف وزير الخارجية عند اقتحام مبنى الخارجية والتحقيق في تسريب وثائق بعنوان “واشنطن ليكس” ونشرها في وسيلة اعلامية مقربة، لكن في المقابل يفتح المجال واسعا لتساؤلات عن خشية متصلة بطبيعة التعاطي مع الادارة الاميركية خصوصا في ظل الحاح واشنطن الدائم والمتكرر على مطلب “نزع سلاح حزب الله “.
المصدر: لبنان 24