وفق مصدر مقرب ومطلع على الموقف الاميركي لـ”لبنان 24″ ، فإن قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب “تبشر” بصيف ساخن اقتصادياً في المنطقة، حيث تنذر بالأسوأ، إجراءات وسياسات الإدارة الأميركية بشكلها الجديد تجاه الحرب على سوريا التي تأخذ شكلا جديدا يتمثل بالحصار الاقتصادي، وتجاه إيران بفرض المزيد من العقوبات عليها لثنيها عن المضي قدماً في برنامجها الصاروخي بعد الانسحاب من الاتفاق النووي وحظر بيع نفطها.
بالنسبة إلى ترامب، فإن مستوردي النفط الإيراني ومن بينهم الصين والهند وتركيا قد يسمح لهم بفترة لإنهاء تدريجي للمشتريات حتى تصل إلى الصفر، بما في ذلك إعفاء قصير الأجل، في حين بدأت تركيا تدرس مسألة استيراد النفط الخام منجنوب العراق، إضافة لزيادة الإمدادات عبر خط أنابيب كركوك جيهان، الذي يصل بين حقول كركوك في العراق وميناء جيهان التركي.
إن الوقائع الراهنة ليست على ما يرام في الإقليم؛ الدعم المالي لسوريا لإعادة إعمارها ولإخراجها من أزمتها الاقتصادية ممنوع اميركياً واوروبياً، وأزمة الوقود التي أصابتها من جراء عدم وصول ناقلات النفط إليها منذ 15 تشرين الأول الماضي قد تكون الأسوأ منذ اندلاع الحرب عليها عام 2011، هذا فضلاً عن أن الحرب على الإرهاب في إدلب آخر قلعة للمسلحين، لا تزال غير واضحة. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن الهجوم الشامل على المسلحين في إدلب “ليس ملائما الآن”، ليبقى التعويل على مساعي موسكو لتحقيق الاتفاق المبرم مع انقرة، بشأن الوضع في تلك المحافظة.
وسط ما تقدم، فإن لبنان لن يكون بمنأى عن الخطر المحدق بالمنطقة. وبحسب المصادر نفسها، لـ”لبنان24 ” فإن الوضع الاقتصادي على خطورته كان ليبقى تفصيلاً لو كانت الأوضاع الاقليمية مستتبة اقتصادياً؛ ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ما كان لينقلب 90 درجة على حارة حريك ويعيد تموضعه، لو لم يشتم رائحة التصعيد الأميركي الحازم والمتشدد تجاه الحزب وايران.
وليس بعيداً، بدأ البعض يطرح تساؤلات عن مصير “حكومة الى العمل” التي يخيم التوتر والتصعيد على جلساتها، على رغم أنها اخذت وقتا طويلا لتولد على شكل حكومة وحدة وطنية. بالنسبة إلى المصادر نفسها، فإن عهد التسويات فرط ولو بنسب متفاوتة بين التسوية والأخرى.
التسوية المسيحية – المسيحية باتت في خبر كان.
التسوية السنية – المسيحية قد تسلك الطريق نفسه، والرئيس سعد الحريري يتجه إلى لململة الشارع السني انطلاقاً من اقتناعه بأنه لم يعد يستطيع التعويل على دعم “حزب الله” في ظل الضغط الغربي الدبلوماسي، فضلا عن إشارات تلقاها الحريري بأن حظوظ وزير الخارجية جبران باسيل في الوصول إلى رئاسة الجمهورية معدومة.
في المقابل، ثمة من يرى ان التسوية الرئاسية مستمرة لأجل غير مسمى، ولو بثقة اقل بين طرفيها، انطلاقاً من تسليم الرئيس سعد الحريري بالحيثية السياسية لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وصعوبة تجاوزه وتخطيه في حل أي مسألة خلافية أو تعيين، بالتوازي مع تلميح مصادر دبلوماسية عقب التأليف الحكومي، إلى أن صناع القرار في لبنان ثلاثة: “حزب الله”- الحريري – باسيل.
أما على خط التسوية المسيحية – الشيعية فهي صامدة باقتناع بعبدا والضاحية بأهميتها وبما حققته على الصعيد الوطني، على رغم أن المصادر المطلعة على الموقف الاميركي ترى أن التفاهم يرزخ تحت ضغط إدارة ترامب على العهد و”التيار الوطني الحر”، اللذين دفعا ثمن التلاقي مع حارة حريك؛ مع الإشارة إلى أن وثيقة مار مخايل كانت إلى حد ما مقبولة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما الذي اعتمد موفدوه إلى لبنان سياسة غض النظر عما يجري، كما كانت الحال بالنسبة إلى إيران لجهة الفصل بين الاتفاق النووي ودورها في حل أزمات المنطقة.
وعليه، فإن واشنطن لن تبقي على اهتمامها المعهود بلبنان؛ وقد تظهر ذلك بوضوح في درجة البرودة الأميركية في استقبال الوفود اللبنانية النيابية والوزارية ربطاً بالكلام القاسي والعالي النبرة الذي سمعته الوفود، والتهديد المباشرفي ما خص ترسيم الحدود البحرية لجهة القبول بأميركا وسيطاً وحيداً وبخط هوف، وربط عودة النازحين بالحل السياسي عبر قرار أممي، علما أن الوفد النيابي سمع كلاما غربيا ذات أهمية ربطًا بالكلام عن الفساد في لبنان مفاده How much Is enough، خصوصاً ان الأميركيين يعتبرون الفساد في لبنان عضوياً، مع الإشارة إلى تأكيد مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد، للوفد النيابي، بحسب “واشنطن ليكس”، انّ الحكومة اللبنانية الجديدة التي تطلبت فترة طويلة لتولد تعمل ببطء شديد ودون فعالية.
فهل تصمد هذه الحكومة في ظل التناقضات الدولية والاقليمية وارتداداتها على لبنان؟
يتعمد راهنا بعض الفرقاء في الداخل تحميل تداعيات الوضع الاقتصادي إلى “حزب الله” وسياسته في معاداة الدول المانحة الغربية والخليجية، علما أن الحزب لا يتطلع إلى عرقلة عمل الحكومة إنما يعمل بشكل مكثف لإنجاحها، ولوضع خطة إقتصادية مالية عاجلة لمعالجة الملفات العالقة وإعادة إطلاق العجلة الاقتصادية.
ومع ذلك، تربط المصادر المطلعة على الموقف الاميركي تمسك “حزب الله” بالحكومة والنأي بها عن أي اهتزازات، بتراجع حدة مواقفه من التدابير التقشفية والزيادات التي ستطال الطبقات المتوسطة، في حين أنه كان في العام 2018 المدافع الأول عن الطبقة الكادحة؛ علما أن السيد حسن نصر الله كان حاسما عندما رسم خطوطا حمراء يجب عدم تجاوزها في ما خص المس بمداخيل ذوي الدخل المحدود وفرض أي ضرائب جديدة تستهدفهم.
وتأسيسا على ما تقدم، تأخذ المصادر ذاتها فرضية استقالة الحكومة بعين الاعتبار لتطرح تساؤلات حول هل يستطيع لبنان الصمود تسعة اشهر جديدة في ظل حكومة تصريف اعمال؟ لتقول إن الأمور سوف تأخذ منحى من اثنين: إما نظام جديد مبني على أسس تكنوقراط بعيداً عن المحاصصة، أو أن لبنان سيلحق بليبيا ومصر والسودان في إطار حكم العسكر.
في المقابل، تشدد مصادر مطلعة مقربة من بعبدا والثنائي الشيعي لـ” لبنان24″ على أن الحكومة صامدة، وهي تستمد حياتها من طبيعة المرحلة الانتقالية التي تعيشها المنطقة وتالياً لبنان. فهناك قواسم مشتركة على طاولة مجلس الوزراء تحكم مواقف واداء القوى الأساسية الستة من طبيعة الاولويات، لجهة التفاهم على تحييد كل عناصر الاشتباك، والإجماع على اتخاذ قرارات تمنع البلد من الانهيار الكلي، خاصة أن جزءا من الانهيار بات واقعا لا محالة، وما تقوم به الحكومة راهنا يمنع انحدارها نحو القعر، انطلاقا من أن القوى السياسية كافة ليس من مصلحتها وقوع حائط الحكومة، وبالتالي، فإن المساحة المشتركة بين الافرقاء لا تزال حاضرة وفقا لمقتضيات الانقاذ ليس اكثر، على رغم أن المسار البطيء في معالجة الملفات الاقتصادية ليس على قدر آمال العهد الرئاسي.
وفي خضم تبادل الرؤى المتباينة والمتناقضة تجاه المستجدات، لا يخفى على أحد الدعم الأميركي للمؤسسة العسكرية والإشادة بقائد الجيش العماد جوزاف عون لفصله الشأن العسكري عن تدخلات القوى السياسية. وفي هذا السياق ترددت معلومات أنه سوف يقوم بزيارة في وقت قريب إلى الولايات المتحدة في إطار ما يقتضيه التعاون العسكري بين الدولتين.
المصدر: لبنان 24