يُنقل عن أحد الوزراء المعنيين في شكل مباشر عن عملية مكافحة الفساد قوله إن البداية الصحيحة لهذه العملية تكون بأن يقوم كل وزير داخل وزارته، وهو المسؤول الأول والأخير عنها بما أعطاه الدستور من صلاحيات، بإجراء مسح دقيق لحركة الموظفين، من حيث الحضور والإنتاجية ومراقبة أدائهم وطريقة تعاملهم مع المواطنين، الذين يراجعون بمعاملات عائدة لهم، ليبنى على الشيء مقتضاه، فيكافأ الموظف النشيط و”النظيف”، ويحال المخالف، أيًّا تكن نوع المخالفة، إلى الأجهزة المختصة لإجراء تحقيق شفاف وعادل. فإذا ثبت بالوقائع والقرائن تورطه في أي عملية فساد يحّول ملفه إلى القضاء المختص
الذي يتخذ في حقه الإجراءات القانونية.
وفي رأي الوزير المعني أنه بهذه الطريقة يتمّ ضبط حركة الموظفين، وليس من خلال إنتظار أي وزير مسؤول عن وزارته أن يتدخل أي جهاز بوزارته نتيجة إخبار من هنا ومعلومة من هناك.
ويشير هذا الوزير إلى أن مصطلح “الفساد” مطاط وواسع، بحيث تدخل تحت عباءته المسميات الأخرى كالرشوة و”البارطيل”، وعدم الإلتزام بالدوام المحدّد في القوانين المرعية الإجراء وعدم الإنتاجية أو تستير الموظفين الكبار على الموظفين الصغار المحسوبين عليهم وتغطية تجاوزاتهم ومخالفاتهم.
وفي إعتقاد الوزير إياه أن مثل هذه الأمور من السهل ضبطها خصوصًا إذا طبق المثل الشعبي “التلم الأعوج من الثور الكبير”، وهي لا تحتاج إلى الكثير من العناء والجهد، إذ يكفي تطبيق الأنظمة التي ترعى عمل الموظفين بشيء من الجدية والحزم حتى تسير الأمور “متل الساعة”، وهنا يأتي دور الوزير في إدارته، وهو في رأس الهرم الإداري تدرجًا، من المدير العام إلى رؤساء المصالح ورؤساء الدوائر والأقسام وصولًا إلى الفئتين الرابعة والخامسة.
في المقابل، يطرح هذا الوزير أكثر من علامة إستفهام تتعلق بملف الفساد، الذي يرفع شعاره الجميع في هذه الأيام، ومن بينها:
أولًا: هل يكفي لقطع دابر الفساد أن ينتظم عمل الموظفين تحت سقف القانون. وفي حال تم الإلتزام بما تحدّده الأنظمة لجهة الإنضباطية والمسلكية الإدارية فهل يكون المعنيون بمكافحة الفساد قد قضوا عليه نهائيًا؟
ثانيًا: لا يوجد من يؤيد الرشوة والسمسرة والتحايل على القوانين، ولكن هل يتحمّل من يقوم بكل هذا، أو بجزء منه، مسؤولية وصول البلاد إلى ما وصلت إليه من هريان، وهل يمكن إعتبار أن وصول الدين العام إلى عتبة المئة مليار دولار هو من مسؤولية هذا الموظف، الذي يقبض من تحت الطاولة ما تيسر لكي يستطيع أن يكّمل شهره من دون أن يضطّر إلى الإستدانة على راتبه، من دون أن يعني ذلك في أي شكل من الأشكال تبريرًا لما يرتكبه من مخالفات تستوجب المساءلة.
ثالثًا: مع الحرص الأكيد على إنتظام عمل الموظفين وحق المواطن بأن تسير معاملته طبيعيًا من دون أن يضطّر إلى دفع ما تيّسر حتى يسيّر أمره، إلاّ أن ذلك لا يكفي حتى يُقال أن الفساد قد أقتلع من جذوره، لأن الفساد الحقيقي هو في مكان آخر، أي في الهدر الذي يُقدّر بالمليارات كالهدر في ملف الكهرباء، الذي تكبدّت الدولة من جراء السياسات الخاطئة نحو 30 مليار دولار، وفق ما جاء في تقرير وزيرة الطاقة ندى البستاني.
وحتى تنفيذ كامل الخطة التي أقرّها بالأمس مجلس الوزراء تبقى العين “مفتحّة” جيدًا على أدّق التفاصيل حتى تسود العدالة ويفرز الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويكون مصير الفاسدين السجن، وهذا ما بدأ المواطن يلمسه من خلال وضع الأصبع على الجرح النازف.
فإقرار خطة الكهرباء، مع تبدّل الظروف بين اليوم والأمس، هي الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل.
المصدر: لبنان 24