عام مضى على مؤتمر “سيدر” الاقتصادي لدعم التنمية والإصلاحات في لبنان من دون أن يتلقف المعنيون حقيقة الإشارات الإيجابية للمؤتمر واهتمام المجتمع الدولي بالأوضاع اللبنانية وتحديداً لجهة الاستقرار المالي والاقتصادي. فمقررات “سيدر” التي سبقت الانتخابات النيابية بشهر واحد، انتظرت تسعة أشهر ولادة الحكومة قبل نيلها الثقة البرلمانية لتدخل حيز التنفيذ، لكن ذلك لم يحصل، فحكومة “إلى العمل” لم تبدأ العمل جدياً حتى الساعة ومضى على تأليفها 66 يوماً وتكاد مهلة المئة يوم التي طلبتها لنفسها تنتهي، وبالتالي لم تستفد من الأموال المعقودة للبنان والتي قدرت بـ 11 مليار دولار أميركي من منح وقروض.
حتى الساعة، لم تضع حكومة الرئيس سعد الحريري وثيقة “سيدر” في السياق الذي يخدم عملية النمو ويساعد على تخفيض العجز عبر إصلاح القطاعات التي تزيد العبء على المالية كقطاع الكهرباء. فهذه الحكومة تكتفي حتى الساعة بالتذمر من الحال الذي وصل إليها الوضع الاقتصادي والمالي من جراء عوامل عدة تتصل بأزمات المنطقة والنزوح السوري وضعف البنية التحتية والفساد المستشري، من دون أن تبدأ بتطبيق ما تعهدت به في البيان الوزاري من إصلاحات.
وللتذكير فإن مساعدات “سيدر” جاءت مشروطة بـ: إصلاح قطاعات الكهرباء والمياه والنقل، عبر رفع سعر تعرفة الكهرباء بما يكفل خفض الدين العام المرتبط بجزء كبير منه بديون الكهرباء، وتنفيذ مشاريع توليد الطاقة بالشراكة مع القطاع الخاص، إقرار قانون المياه الذي يفتح القطاع أمام المستثمرين الخاصين، خفض الإنفاق بنسبة 5%، ووقف التوظيف العام وإعادة النظر بنظام التقاعد لموظفي القطاع العام، زيادة الإيرادات بالنسبة نفسها لخفض الإنفاق عبر تحسين التحصيل الضريبي وفرض إجراءات ضريبية جديدة (منها زيادة الضريبة على القيمة المضافة والضرائب على المحروقات)، تعديل النظام الجمركي بما يؤمن سهولة أكبر لدخول وخروج السلع من لبنان، فضلاً عن الاعتماد على التحكيم الدولي، وتوقيع مراسيم الخصخصة والشراكات مع القطاع الخاص، وتحديث قانون المشتريات العامّة، تحرير الاتصالات وتسهيل عمليات استثمار القطاع الخاص في هذا القطاع، التزام التدابير التي وردت في تقييم صندوق النقد الدولي حول لبنان، تقييم الاستثمار العام وتحديد الثغرات في الإدارة العامة قبل البدء بتطبيق الخطة الجديدة.
وعلى هذا الاساس، تؤكد مصادر مطلعة لـ”لبنان 24″ أن أموال “سيدر” لن توزع مجاناً، لا سيما أن المجتمع الدولي ربط المساعدات بإصلاحات جدية لم يتحقق منها إلا القليل القليل لجهة بعض القوانين الي أقرها المجلس النيابي كتنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
تجمع المكونات الحكومية على أن الاستثمارات هي من مصلحة لبنان نظرا إلى حجم الأزمة التي يتخبط فيها، الامر الذي يفرض عليه البدء بالإجراءات التنفيذية المطلوبة منها من خلال اقرار الموازنة ووضع خطة الكهرباء موضع التنفيذ وتعيين الهيئات الناظمة، ومكننة الدولة، وإقرار مشروع قانون استراتيجية مكافحة الفساد لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
فهل يملك لبنان ترف المماطلة والتخبط بالمهاترات السياسية؟
لقد كان السفير المكلّف متابعة مقررات مؤتمر “سيدر” بيار دوكين واضحاً أمام من التقاهم من مسؤولين أن المجتمع الدولي قد يسحب التعهدات المالية إذا بقيت خطوات الحكومة متعثرة، وقد يتم تحويلها إلى دول مجاورة كمصر والاردن والى افريقيا أيضاً، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني لـ”لبنان24″، هذا فضلاً عن أن البنك الدولي يراقب عن كثب الوضع الاقتصادي الدقيق من دون ان ترتقي الحكومة إلى العمل والسير بإجراءات جوهرية، الأمر الذي لا يبعث على التفاؤل.
ويحدد وزني مجموعة أولويات يجب على الحكومة الالتزام بها وتتمثل بـ:
1- تصحيح المالية العامة من خلال إعادة هيكلة القطاع العام بمنع التوظيف العشوائي غير القانوني، وإعادة النظر بالنظام التقاعدي ونهاية الخدمة للمدنيين والعسكريين لقطع الطريق على حدوث عجز كبير وانهيار في المرحلة المقبلة.
2- زيادة الإيرادات والتشدّد في الجباية الضريبية.
3- زيادة الرسوم على صفيحة البنزين لأن من شأن ذلك تأمين إيرادات جدية للخزينة، خصوصاً وأن الرسم قد خفض في العام 2012 عن مادة البنزين.
4- إقرار موازنة إصلاحية تضبط الانفاق وتخفض العجز لا سيما ان العجز تجاوز مبلغ 6 مليار وربما يصل الى 7 مليار دولار.
5- إصلاح قطاع الكهرباء نظراً إلى تبعاته الإقتصادية والمالية والاجتماعية، مع إشارة وزني إلى أنه رغم إيجابيات الاتجاه إلى إقرار “الخطة الكهربائية” يوم غد الاثنين، بيد أن هناك جملة ملاحظات تتعلق بموضوع زيادة التعرفة على الكهرباء التي يفترض أن تصبح سارية المفعول مع زيادة الطاقة الانتاجية بالتوازي مع تخفيف الهدر الفني على الشبكة وتفعيل الجباية والانطلاق بتعيين الهيئة الناظمة. فالقانون رقم 462 واضح لجهة انشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء قبل إقرار الخطة، فضلاً عن إجراء تعيينات في مؤسسة كهرباء لبنان واللجوء إلى إجراء مناقصات في دائرة المناقصات فقط لانشاء المعامل المؤقتة والدائمة.
وإذا كان الفساد لم يعد خافياً على أحد في الخارج قبل الداخل مع حلول لبنان في الدول الطليعة به، فإن وزني يؤكد أن لبنان لم يعيد مخيّراً بالبقاء في حالة الترهل. فالوقت لم يعد لصالحنا، والواقع الاقتصادي لا يسمح بالترف السياسي، وبالتالي فإن محاكاة الأوضاع الراهنة على طريقة نسخ ما كان يحصل في السنوات الماضية، سيدفع البلد نحو الانهيار الذي لن يستثني احداً.
المصدر: لبنان 24