ما كشفه وزير الصحة العامة جميل جبق، بعدما عرض خطة الوزارة للمرحلة المقبلة على رئيس الجمهورية، من أرقام مخيفة عن عدد اللبنانيين الذين لا يشملهم الضمان، يستدعي التوقف عنده مليًا وماليًا، في ظل العجز المستدام في خزينة الدولة، وفي ظل غياب الرعاية الصحية اللائقة لمليون و800 ألف لبناني، أي ما يوازي ثلث أعداد اللبنانيين المقيمين على الأراضي اللبنانية، وفي غياب خطة صحية شاملة، مع تردّي نوعية الخدمات الجيدة أو المقبولة، التي تقدّمها المشتشفيات الحكومية، التي تحتاج إلى “نفضة” واسعة، من حيث الكادر البشري المشرف عليها أو من حيث التجهيزات الضرورية أو من حيث إفتقاد المباني للصيانة الدورية.
وما تحدّث عنه الوزير جبق يفتح باب الصحة العامة على مصراعيه، خصوصًا أن موازنة الوزارة، التي هي في الأساس من بين الموازنات الأكبر، لا تستطيع تلبية حاجات المواطنين غير المشمولين بالضمان الصحي، سبق أن طرحه أكثر من وزير تولى هذه الوزارة لجهة ضرورة تأمين البطاقة الصحية لجميع المواطنين، بحيث تشمل الرعاية الصحية المجانية الجميع، بعد إعادة النظر، بالطبع، بتركيبة المستشفيات الحكومية، المفترض بها أن تضاهي خدماتها الصحية المستشفيات الخاصة، تمامًا كضرورة تأمين التعليم المجاني لجميع اللبنانيين، بعد إجراء مسح شامل للمدارس الرسمية ومدى أهليتها لإستيعاب أعداد كبيرة من التلامذة على مساحة الوطن، والتأكد من مستوى التعليم فيها وبالأخص في المراحل الإبتدائية والمتوسطة.
وفي هذا المجال أذكر أن إحدى شركات التأمين الصحي العالمية عرضت على لبنان، وكان يومها رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وزيرًا للصحة العامة، تأمين جميع اللبنانيين – درجة أولى، بكلفة كانت توازي في ذاك الوقت موازنة وزارة الصحة، وقد تحمّس فرنجية لهذا المشروع المتطور، لكنه لم يلق آذانًا صاغية من أركان الدولة، فسقط المشروع وبقيت أعداد اللبنانيين غير المضمونين ترتفع حتى وصلت إلى الرقم الذي ذكره الوزير جبق.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإن ثمة مشاريع كثيرة في مجالات كثيرة ومن بينها ما يتعلق بالكهرباء ومياه الشفة ومياه الصرف الصحي، وفي مجال النقل المشترك وإقامة أوتوسترادات تربط أطراف لبنان الثلاثة بالعاصمة وبالمدن الرئيسية، لم تحظَ بالموافقة السياسية لأسباب معروفة قد يكون من المفيد عدم ذكرها أو التطرق إليها، خشية الوقوع في “مطب” التعميم، وهي الأسباب ذاتها التي لا تزال تحول دون تحوّل الدولة من واقعها المزري إلى واقع يتمناه الجميع، أقله من خلال ما نسمعه عن حملات مكافحة الفساد، التي يجب ألا تقتصر على توقيف مخالف من هنا ومرتشٍ من هناك، لأن مكافحة الفساد هي عملية متواصلة تبدأ من “الكبير” لتصل إلى الصغير، وليس العكس.
فالعناية الصحية بنوعية جيدة هي الأساس في تعميم ثقافة العدالة الإجتماعية، إذ لم يعد مقبولًا بعد اليوم أن يموت مريض على أبواب المستشفيات لأنه فقير وغير مشمول بالرعاية الإستشفائية الضرورية.
إنه زمن الإستعجال في تحقيق خطوات تُسجّل في خانة الإنجازات في الوقت الذي يرزح فيه المواطن تحت أعباء طائلة لا قدرة له على تحمّلها.
المصدر : لبنان 24