تحت عنوان متى تنتهي مهلة دوكان؟، كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: في زيارته الأخيرة لبيروت، أبلغ الموفد الرئاسي الفرنسي بيار دوكان الى الذين التقاهم، بأنّ المهلة الممنوحة للبنان لكي يلتزم الإصلاحات المطلوبة، هي في حدود الشهرين. لاحقاً، عندما ارتفع الضجيج حول هذه النقطة، قال علناً، بعد لقائه وزير المال علي حسن خليل: “بعض المانحين يريد أن يتمّ الإصلاح كله في يوم واحد. طبعاً لا يمكن تحقيق ذلك. ولكن، سيكون مؤسفاً أَن لا ينطلق العمل خلال شهرين أو ثلاثة”.
إذاً، هناك مهلة يلوِّح بها الفرنسيون، وإلاّ فإنهم لا يتحمَّلون المسؤولية عن ضياع كثير من مكتسبات “سيدر”. والمساعدات الموعودة هي في معظمها قروض ميسَّرة ومشاريع تحتاج إلى متابعة حثيثة في التنفيذ. وهي لا تعني فرنسا وحدها، بل أيضاً الشركاء الآخرين في المؤتمر.
وبعض هؤلاء الشركاء قد يسحب يده تدريجاً من عملية الدعم، ما دام مستعجلاً، ويريد الإصلاحات في يوم واحد، كما قال دوكان. وقد يسحب البعض يده لأنّ عناصر الثقة في جدّية الإجراءات التي سيتخذها اللبنانيون ليست كافية.
ولذلك، على رغم من الاستنفار “الصاروخي” المُفتعل، الذي لجأ إليه أركان السلطة، لتظهير التزامهم بنود الإصلاح، والاستفادة من المساعدات لمنع الانهيار، فلا شيء يضمن أنّ الجهات المانحة ما زالت في انتظار لبنان ورهن خاطر المسؤولين فيه.
في أي حال، الجهات المانحة هي التي ستشرف على إدارة هذه الأموال التي تشكِّل في معظمها ديوناً إضافية. وهذه هي المرّة الأولى التي يبدي فيها المانحون هذا المقدار من التشكيك بنزاهة الطاقم السياسي والإداري والمالي في لبنان.
يقول المطلعون: “إنّ رائحة الصفقات التي تفوح من التلزيمات المدعومة من الجهات المانحة لم يَعُد ممكناً إخفاؤها. فعلى مدى عشرات السنين، كان الطاقم المُمسك بالمؤسسات في لبنان يبتزّ المكاتب والخبراء المتعهدين الذين يكلّفهم البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو سواهما، ويستخدم أساليب الترغيب المختلفة.
وعادةً، يضطر هؤلاء إلى القبول بتمويل المشاريع مع علمهم أنّ الشفافية معدومة في طريقة إدارة اللبنانيين للأموال. ومع الوقت، اعتاد هؤلاء على فساد اللبنانيين وتعايشوا معه. وقصة الموافقة على تمويل سدّ بسري تُشكّل نموذجاً على رضوخ البنك الدولي لإرادة المنتفعين في لبنان.
فالدراسات الأولى أوصت بعدم ملاءمة المنطقة لبناء السدّ. ولكن، بسحر ساحر، أرسل مجلس الإنماء والإعمار إلى البنك الدولي دراسة مناقضة، فتمّت الموافقة على الدعم وإقامة السدّ، على رغم من كل الاعتراضات الهندسية والبيئية على أرفع المستويات. واليوم، انكشفت العلاقة المشبوهة بين طاقم المتعهدين في الداخل والخارج، وبات البنك الدولي مضطراً على الأقل إلى الاستماع إلى الاعتراضات بجدّية.
مبدئياً، من جهة المؤسسات الدولية، لم يعد ممكناً أن تستمر هذه العلاقة، بسبب افتضاحها. ولكن، مَن يَضْمن أنّها ستتوقف من الجانب اللبناني حيث الفساد المتجذِّر يصعب اقتلاعه ومحميّ سياسياً وطائفياً ومذهبياً. فاقتلاع الفساد اللبناني مستحيل ما لم يتم اقتلاع الطبقة التي توفِّر له الحماية.
وفي العادة، يتواطأ أركان هذا الطاقم لإنقاذ رؤوسهم كلما واجهوا المخاطر. والأرجح أنهم اليوم يقومون بهذا الأمر، من خلال الإيحاء بأنهم يلتزمون شروط الإصلاح التي يفرضها عليهم “سيدر”.
المقال كاملاً في صحيفة الجمهورية