من المفيد جدًا أن تواكب “حكومة إلى العمل” مشاريع “سيدر” بإتخاذ قرارات “موجعة” بهدف الحدّ من الهدر وترشيق الموازنة وإستخدام المقصّ في الأمكنة الصحّ وتخفيض العجز في موازنة العام 2019 بما يقارب الـ 2،2 عن موازنة العام 2018، من دون أن يكون لهذه القرارات أي تأثير مباشر على المواطن، الذي يعاني الأمرّين من جرّاء سوء التصرف المالي المتأتي من تراكمات مزمنة، وكسر حلقة ما كان يُعتبر من المستحقات الملزمة، التي أدخلت البلاد في متاهات الصرف غير المجدي، بالتوازي مع عدم التعامل بجدية في ضبط الإنفاق وزيادة الإيرادات، وعدم تحميل الطبقات الوسطى وما دون تبعات هذه السياسات الخاطئة، التي كانت معتمدة على مدى سنوات.
وإذا كان الكلام، الذي نسمعه من حين إلى آخر، من دون أن يؤكده أصحاب الشأن أو ينفوه، عن عملية إعادة النظر في سلسلة الرتب والرواتب، التي أصبحت حقًّا مكتسبًا للعاملين في القطاع العام، بغض النظر عن صوابية وجدوى هذه السلسلة في الأساس، هو كلام جدّي، وإذا كان هذا الأمر هو المقصود بالقرارت “الموجعة” يكون من يفكرّ بهكذا حلول كمن يلعب بالنار، التي ستحرق اصابع الجميع، لأن ذلك سيؤدي إلى حالة إستنفار شعبي لن يصبّ في مصلحة الحكومة ولا في مصلحة أي طرف سياسي يؤيد هذا الإجراء “الإنكشاري”، بإعتبار أن اللعب في لقمة عيش المواطن هو من الخطوط الحمر، التي لا يجوز تجاوزها، في أي حال من الأحوال.
فالإجراءات “الموجعة”، مع تأييد الجميع لها، إذا كانت في موقعها الصحيح، لا تكون على حساب الموظف المغلوب على أمره، بعدما “أكلت” فوضى غلاء المعيشة راتبه، الذي لا يكاد يكفي إعالة العوائل حتى منتصف الشهر، وهو الذي يجد نفسه مضطرًّا لأن يدفع فواتيره الشهرية مرّتين في كل المجالات، بدءًا بالكهرباء والمياه حتى آخر سلسلة المستحقات، وهو يرفض أن يدفع دائمًا ثمن عجز الدولة وتقصيرها، أقله في تنظيم عملية إستيفائها إيراداتها الشرعية وضبط فوضى بعض “الكبار” في التهرب من دفع ما يتوجب عليهم من ضرائب، وهو ما يُعرف بـ”التهرب الضريبي”، سواء لناحية الإلتزام بمفاعيل الـ TVA، أو في التحايل على القوانين الجمركية.
فالإجراءات “الموجعة” تكون بالطبع من خلال خطة مدروسة لضبط الهدر ووقف “حنفية” الصرف غير المجدي، من خلال خطوات عملية لن يكون لها مفاعيل مؤثرّة على معيشة المواطن.
ومن بين الأمثلة، التي يمكن أن تدخل في بند “الإجراءات الموجعة”، إقفال “دكاكين” الجمعيات الوهمية، التي تتسترّ وراء عنوان عريض، أي “جمعيات لا تتوخى الربح”، وهو عنوان عريض لفساد مقنّع، مع الأخذ في الإعتبار أن تكون هذه الإجراءات “الموجعة” عادلة، فلا يذهب الصالح بجريرة الطالح، إذ أن هناك جمعيات كثيرة ترعى حالات كثيرة تعتمد على “التمويل الرسمي” للقيام بخدماتها المجدية، مع تشديد الرقابة من قبل الوزارات المعنية على عمل هذه الجمعيات والتأكد من جودة الخدمات التي تقدمها.
هذا مثل من بين الآف الأمثلة التي تمكّن الدولة من ضبط الهدر والإنفاق غير المجدي وزيادة مداخيلها “الشرعية”، من دون أن “تدّق” بجيبة المواطن، عن طريق إعادة النظر بالسلسلة أو بفرض ضرائب جديدة.
المصدر: لبنان 24