كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”: عملياً، انتهت معركة حزب الله العسكرية الكبرى في سوريا. لم يعُد مضطراً إلى تقديم أثمان باهظة، بالمال والمقاتلين والعتاد، كما في السنوات السابقة. كما أنّ معاركه العسكرية الأساسية في لبنان قد طُوِيت أيضاً، على الأقل مرحلياً: مع إسرائيل، هدنةٌ ترعاها ضوابط دولية وإقليمية. ومع التنظيمات الإرهابية حُسِمت المعركة في جرود عرسال، صيف 2017. فما هي الخطوط التي يقاتل عليها “الحزب” في هذه المرحلة؟
ينطلق حزب الله من داخل استراتيجية المواجهة التي تخوضها إيران على مستوى الشرق الأوسط، للدفاع عن المكاسب التي حقَّقتها، خصوصاً بعد أحداث “الربيع العربي” والحرب في سوريا. وترمي هذه المواجهة إلى تكريس نفوذها في “الهلال الشيعي”، من طهران إلى بغداد فدمشق، وصولاً إلى بيروت، إضافة إلى قواعد نفوذ أخرى، أبرزها في اليمن وغزّة.
ومع مرور عام كامل على إنسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، تبدو طهران اليوم في مواجهة أخطر استحقاقاتها. فهي تخشى أن تكون على وشك فقدانها المبادرة في مجالها التوسّعي الشرق أوسطي، ما يؤدي إلى ضياع أحلامها المدفوعة الثمن غالياً جداً، سواء باستنزاف طاقاتها المالية ووصول الاقتصاد الإيراني إلى مراحل صعبة، أو بالرجال والعتاد العسكري.
في سوريا، يحاول الروس تقديم كل التطمينات للحليف الإيراني إلى استمرار دوره هناك. ولكنهم، على أرض الواقع، يديرون نظام الرئيس بشّار الأسد بلا منازع، وبتغطية إقليمية ودولية مضبوطة الهوامش.
وفي العراق، يتمتع الإيرانيون بمقدار أوسع من النفوذ. لكن مستقبل الدولة العراقية لم يستقرّ حتى اليوم، وتنتظره تحوُّلات تشارك في صناعتها قوى دولية وإقليمية، ولا سيما منها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، إلى جانب إيران.
وأما بيروت، فيصارع حزب الله للإمساك بقرارها لضرورات عدّة:
1- هي بوابة المتوسط إلى إيران ورأس الجسر في هلال النفوذ الإيراني.
2- هي التي تتكفَّل وضع إيران على جبهة المواجهة مع إسرائيل.
3- هي لإيران حجر الأساس لحماية نفوذها وحلفائها في سوريا وغزة.
4- في لبنان موارد اقتصادية هائلة يمكن لإيران أن تجنيها من خلال نفوذ حلفائها، على أبواب إعادة إعمار سوريا وانطلاق شبكة المصالح الاقتصادية الإقليمية، بعد التسويات الشرق أوسطية، وبدء الاستفادة من مخزونات النفط في لبنان. كما أنّ لبنان سوق مهمَّة ونقطة تقاطع يمكن أن تستفيد منها طهران للإطلالة على أوروبا.
لهذه الأسباب، لا تتخلّى إيران عن نفوذها في بيروت. وهي تبذل كل جهد ليحافظ حزب الله على تفوُّقه السياسي في قلب السلطة، مع احتفاظه بالتفوُّق العسكري المستمر منذ ربع قرن.
وثمة مَن يعتقد أنّها قد تضطر مرّة أخرى إلى “تلميع” هذا السلاح (وليس بالضرورة استخدامه)، إذا فكّر أحد في الاستقواء على “الحزب” ظنّاً منه أنّ هذا السلاح صار خارج الخدمة.
لكن الأساس حالياً، هو استمرار إمساك حزب الله بأكبر هامش من القرار السياسي في السلطة، ومواجهة الهجمة التي يتعرَّض لها- من جانب الولايات المتحدة خصوصاً- لإضعافه وتذويب مفاعيل سلاحه ودفعه إلى أن يكون مجرد حزب سياسي، كما أي حزب لبناني آخر.
يعتبر “الحزب” أنّ تراجعه إلى هذا الموقع لا يعني خسارته هو وحده، بل أيضاً خسارة إيران ككل- في سوريا خصوصاً- ما يعني سقوط حلقات أساسية من المشروع الإيراني.
وهكذا، يشعر “الحزب” أنّ المسؤولية الملقاة على عاتقه في لبنان أكبر منه بكثير. فهو جزء من قوة النفوذ الإيرانية. والدعم المفتوح الذي تقدِّمه له طهران يرُدُّه بدعمٍ مفتوح لها.
وعلى رغم من أن إيران تعيش لحظات اقتصادية قلّصت حجم الأرصدة التي تدفع بها إلى أرض المعارك في الشرق الأوسط، فإنّ “الحزب” يسخّر كل الطاقات المتاحة له في لبنان للحفاظ على موقعه المتفوِّق. ومن هنا أهمية حيازته السيطرة على عدد من المؤسسات والأجهزة.
(المقال كاملاً في صيحفة الجمهورية )
المصدر: الجمهورية