الرئيسية - أبرز الاخبار والتحقيقات - ما هكذا يُكافح الفساد!

ما هكذا يُكافح الفساد!

على رغم أهمية الحملة على مكافحة الفساد، وهي شهدت هبّات ساخنة وهبّات باردة، فإنها لم تؤدِ حتى الساعة الدور المطلوب منها، وإن كانت بعض الملفات بدأت تُفتح وهي تطال عددًا لا بأس به من الذين سمحوا لأنفسهم إستغلال مواقعهم بحكم قربهم اللصيق من هذا المسؤول أو ذاك.

قد تكون البداية جيدة، ولكنها غير كافية، لأن بعض الأسماء المتورطة في مخالفات إدارية ومسلكية ومتهمة بالتصرّف بالمال العام من دون حسيب أو رقب، لم تكن لتقوم بما قامت به لو لم تجد لها غطاءً من قبل بعض المتسلطين أو النافذين أو المتسترين أو المسترين، لغايات نفعية لم تعد خافية على أحد.

فالفساد أساسًا لا يأتي من عدم إن لم يكن وراءه فاسدون، والفاسدون الصغار لم يكونوا ليتجرأوا على مدّ أيديهم على المال العام لو لم يكونوا متيقنين بأن ثمة من هم أكبر منهم يؤّمنون لهم الغطاء الكافي، الذي يجعل إرتكاباتهم الفظيعة تدخل تحت باب “المصلحة العامة”، وهي كلمة مطاطة، وشماعة تُعلق عليها كل الإرتكابات والتجاوزات، من دون أن يُمسك على المخالف والمرتكب ممسك واحد، بإعتبار أن زواريب الهدر والتهرب من موجبات دفع الضريبة واسعة المجالات، بعدما أصبح بعض من اللبنانيين خبراء ومحترفين في تغطية السموات بالقبوات، وجعل الأسود أبيض، والأبيض أسود.

ولأن الفاسدين يعرفون تمام المعرفة من أين تؤكل الكتف، ويدركون إستنادًا إلى تجارب الماضي، أن أي حملة من أي نوع كانت تبدأ كبيرة وتتحول مع الوقت والإهمال وعدم المتابعة إلى أصغر من صغيرة، وهكذا بدأت “همروجة” مكافحة الفساد تنوص تدريجيًا، وما تلبث حتى توضع على الرّف كغيرها من الملفات، التي بدأت بزخم وأنتهت في أدراج النسيان.

الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام عن بعض التوقيفات في بعض الأسلاك العسكرية والقضائية، وهي المفروض بها أن تكون القدوة في تطبيق القانون، تؤشّر إلى إمكانية الوصول إلى حيثما يجب أن تصل الأمور، وألاّ يبقى فوق رأس أي مخالف أو مقصّر خيمة أو غطاءً من أي نوع كان، ولكن يبقى السؤال الذي يحيّر كثيرين من دون جواب شافٍ، وهو ينبع من حرص بعض الذين يأخذون هذه الحملة على محمل الجدّ ويقومون بعملهم على خير ما يرام، ويلخصّ حالة مشكّوًا منها، وقد تكون علّة العلل: هل هذا يكفي؟

هل يكفي أن نرى بعض المرتكبين يُحَولون إلى القضاء في حين يبقى من أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه من فساد خارج إطار الملاحقة. فلو طُبّق قانون “من أين لك هذا”، وهو قانون ممتاز كمبدأ شفّاف، لما عشعش كل هذا الفساد في مفاصل الدولة.

فلو وُجد مسؤول واحد كفّه نظيف، وقد نجد كثيرين ممن لديهم هذه الصفة، وسأل عن الأموال الطائلة التي يجنيها أي مسؤول يتعاطى الشأن العام ومعروف أصله وفصله، ومعروف أيضًا راتبه الشهري، والتي تسمح له بأن يعيش حياة بذخ لا تتناسب مع قيمة راتبه، فهل كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه من حال إهتراء؟

من أين لك هذه السيارات الفخمة، لك ولزوجتك ولأولادك؟

من أين لك هذا المنزل في أرقى مناطق العاصمة، وآخر في الجبل، وشاليه على البحر وأخرى في مناطق التزلج؟

من أين لك ما يسمح لك بتدخين أغلى أنواع السكار؟

من أين لك ما تدّخره في المصارف من أموال؟

وتكرّ سبحة التساؤلات لتنتهي بأجوبة غير مقنعة. ويبقى الفاسد فاسدًا، مع الإشارة إلى أن مكافحة الفساد في الأمور الصغيرة ضرورية ولكنها غير كافية إذا لم توضع اليد على ملفات أكبر وصفقات بملايين الدولارات.

– لبنان 24