“عالوعد يا كمون” عبارة تختصر الواقع اللبناني المرير مع الكهرباء 24/24، فمنذ اكثر من 11 عاماً الوعود تنهال على الشعب بانهاء أزمة الكهرباء التي تكبده والدولة الكثير من الأعباء والمشاكل. فالكهرباء كما بات معروفاً تستحوذ على أكبر نسبة من الدين العام اي حوالي 45% من اجمالي الدين العام، وفق ملخص عن أزمة الكهرباء قدمها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى مجلس الوزراء في مطلع ولايته
الا ان ما نعيشه في الوقت الحالي، فاق جميع التوقعات، ويطرح العديد من علامات الاستفهام التي تشير الى وجود أمور خفية خلف ما يحصل. فجأة اصدرت وزارة الطاقة والمياه بياناً أعلنت فيه توقف معمل دير عمار عن انتاج الطاقة، فيما يستعد معمل الزهراني الى اطلاق انفاسه الأخيرة قريباً، والسبب بسيط جداً عدم فتح اعتمادات لشراء الفيول لتشغيل المعامل. والعجيب في هذا الأمر ان الوزارة كانت قد طلبت منذ فترة بفتح اعتماد لشراء الفيول أيضاً لتشغيل المعامل. فلماذا لم يُطلب الاعتماد لمرة واحدة، ألم تكن الوزارة مدركة الى أن كمية الفيول التي ستطلبها لا تكفي الى حين اقرار الموازنة واعطاء المال الكافي للوزارة لتأمين الطاقة؟ وأيضاً لماذا انتظرت الوزارة الى حين انتهاء الفيول “على النقطة” لتطلب فتح اعتماد جديد لشراء الفيول؟
كل هذه الاسئلة حملناها الى الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، الذي أشار في حديث لموقع “لبنان 24” الى ان هذه الاسئلة مشروعة وهي عين الصواب، ومن حق المواطن أن يطرحها خصوصاً وانه من الأطراف التي تدفع ثمن انقطاع الكهرباء المستمر. وما يحصل من طلب اعتمادات بين وقت وآخر يشير هناك عدم وجود رؤية مستقبلية خصوصاً وان الوزارة تدرك فعلياً حجم الاستهلاك وكمية الفيول الذي تحتاجه. ولفت عجاقة الى ان التأخير في صرف الاعتمادات مرده الى “البيروقراطية الادارية” لأن الأموال تحتاج الى فتح اعتماد جديد في وزارة المالية عند قدوم كل باخرة حيث يحول المبلغ من وزارة الطاقة الى وزارة المالية، وبعد الموافقة على المبلغ يحوّل المبلغ الى مصرف لبنان للدفع، وهذه الحالة تطبق في حال فتح اعتمادات من خارج موازنة وزارة الطاقة.
وفي هذا الاطار، يؤكد عجاقة ان فتح اعتمادات من خارج الموازنة هو دليل قاطع على عدم وجود رؤية مستقبلية لدى الوزارة وعدم القدرة على التنبؤ بما تحتاجه الوزارة لتأمين الكهرباء لجميع المواطنين، واضعاً كل انفاق في الدولة في اطار السياسة التي تتحكم بالبلاد، وبالتالي فان ان تأخير في الدفع مرده للسياسة والخلافات السياسية التي تضرب بالبلاد، سواء أكان الأمر متعلقاً بالكهرباء او بغيرها من المواضيع.
وفي سياق ليس بعيداً، تشير مصادر سياسية لـ “لبنان 24” الى ان اطفاء معامل الكهرباء ستتكرر دوماً في لبنان، ولن تقتصر فقط على هذه المرة، خصوصاً وان الوزارة ستعمل على تخفيض عجز الكهرباء، وبالتالي فان كل اطفاء المعامل سيوفّر ما بين 500 و800 مليون دولار، من عجز مؤسسة كهرباء لبنان، وبالتالي فان الدولة لن تعمد الى شراء الفيول اذا لم تتمكن من العمل على انشاء المعامل وفق الخطة التي وضعتها وزارة الطاقة. ما قاله المصدر السياسي لا ينفيه عجاقة، اذ يشير الى ان كل يوم اطفاء لمعامل انتاج الطاقة يكون فيه الكثير من التوفير على الدولة، وبالتالي فان كل انفاق هو دين للدولة اللبنانية ويترتب عليه الكثير من الفوائد.
هذا يشير الى ان الدولة تتوجه سريعاً الى خفض عجز مؤسسة كهرباء لبنان في مسعى للوصول الى الاصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي تحت عنوان “اصلاحات سيدر” خصوصاً وان الورقة التي قدّمها رئيس الجمهورية في 3 آذار 2018 تشير الى ان الكلفة الاجمالية لاستهلاك الكهرباء في لبنان تتجاوز الـ3.35 مليار دولار، وبالتالي فان كلفة الكهرباء على المواطن هي بنحو 2.05 مليار دولار سنوياً في حين تتحمل الخزينة نحو 1.3 مليار دولار، في حين يدفع المواطن حوالي 1 مليار دولار لأصحاب المولدات.
ومن هنا دعا عجاقة الى مقارنة هذه الأرقام وما يترتب على المواطن نتيجتها، داعياً الى اخراج ملف الكهرباء من التجاذبات السياسية والتقهقر الذي يعاني منه، خصوصاً وان المجتمع الدولي، غير راض على الاطلاق من واقع الكهرباء في لبنان.
وحمّل عجاقة السياسة، لا سيّما التوافقية، مسؤولية تأخير حلّ أزمة الكهرباء، والتأخير في انشاء المعامل، خصوصاً وان هذه الخطة موضوعة على جدول البحث والاقرار منذ العام 2010، “ونحن لم نتمكن حتى اليوم من الوصول الى هذا الهدف”، لأننا بحاجة الى التوافق على جميع الأمور من الصغيرة حتى الكبيرة.
وحول ما يشار عن وجود خطط بديلة تكون أسرع من الخطة التي وضعتها وزيرة الطاقة ندى البستاني، لتأمين الكهرباء، خصوصاً من القوات اللبنانية، لفت الى ان خطة الكهرباء تقوم على مرحلتين مرحلة موقتة وأخرى طويلة المدى، والخلاف بين القوى السياسية يقوم على المرحلة الموقتة، سواء من خلال البواخر او عدمها، وهذا الأمر بحاجة الى بعض العمل الاقتصادي والعلمي.
ودعا عجاقة الى أن يتم وضع خطة اقتصادية واضحة يلتزم فيها جميع الفرقاء لحل المشاكل التي يتخبط فيها المواطن اللبناني.
والى حين الانتهاء من الأخذ والردّ في موضوع الكهرباء، وفي انتظار الاتفاق على “جنس الملائكة” في كيفية تأمين الكهرباء 24/24، يبقى همّ المواطن الحصول على الكهرباء مهما كان الثمن سواء أجاءت من البواخر أو من المعامل، او من الطاقة الشمسية أو من “القرود السود”، والانتهاء من الخلافات السياسية التي تحرمهم من أبسط أمور الحياة، وأبسط مقومات العيش الكريم.
المصدر: لبنان 24