تحت عنوان مزارع شبعا والتلال والغجر لن تكون لاسرائىيل المحتلة يوما، كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”: قام رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب منذ فترة بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلّة)، واعترف بالأمس بسيادة تلّ أبيب على هضبة الجولان السوري التي تحتلّها قوّاتها، من دون أي موافقة دولية وإقليمية وعربية على مثل هذا الإعلان الآحادي الذي اتخذه الرئيس الأميركي بطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فهل يُمكن لبلد مثل الولايات المتحدة يُنادي بحقوق الإنسان، ويُطبّق القانون بشكل نموذجي، أن يُزوّر التاريخ والجغرافيا، فيمنح بشطبة قلم أرض محتلّة للجانب المحتلّ بقرار ممهور منه شخصياً؟! وماذا عن القرارات الدولية ذات الصلة التي تُطالب الإحتلال الإسرائيلي بالإنسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلّة؟!
وتتساءل مصادر سياسية عليمة عن الأراضي اللبنانية المحتلّة من قبل العدو الإسرائيلي، أي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، الى جانب أراضي الضفّة الغربية، وعمّا سيكون مصيرها في زمن بات فيه ترامب يُقدّم هدايا ليست ملكه لإسرائيل بهدف تقوية وجودها في منطقة الشرق الأوسط؟ وما سيكون عليه موقف المجتمع الدولي الرافض بغالبيته لمثل هذا الرئاسي الأميركي الآحادي، والذي يعمل على تطبيق ميثاق الأمم المتحدة في كلّ ما يعترض دول العالم من نزاعات وخلافات؟
وتُجيب المصادر بأنّه لا يحقّ لأي دولة في العالم أن تغيّر جغرافية دولة أخرى، عن طريق قرار فردي أو إعلان آحادي، وذلك إرضاء لدولة حليفة. فهذا الأمر لا ينصّ عليه أي قانون في العالم، إنّما هو يُخالف قواعد القانون الدولي والمواثيق العالمية. كما أنّ خطوة من هذا النوع، والتي سبقها قرار ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، من شأنها تقويض الجهود الدولية الساعية للتوصّل الى السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط، ووقف أي مفاوضات مستقبلية، سيما مع استكمال استيلاء إسرائيل على أراضي الدول الأخرى المعادية لها من دون أي إتفاقات ثنائية (بينها وبين الدولة المعنية)، إنّما برعاية أميركية تهدف الى تزوير التاريخ، وإعادة رسم الجغرافيا على هواها.
ولعلّ ما يقوم به ترامب من مخالفة دولية قانونية غير مسبوقة، لإعطاء الشرعية لسيطرة إسرائيل على الجولان، من دون أن يلقى أي معارضة فعلية من أحد، رغم رفض كلّ دول العالم لإعلانه الأخير بدءاً من الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي ودول أميركا اللاتينية، وصولاً الى كلّ من الصين وروسيا وإيران وتركيا والدول العربية وسواها، يجعل لبنان يخشى على الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلّها القوّات الإسرائيلية في المنطقة الجنوبية، بحجّة أنّها تريد حماية مستوطناتها المطلّة عليها، فهل سيُدخل هذا الأمر لبنان أو حزب الله في مواجهة جديدة مع القوّات الإسرائيلية لإرغامها على الإنسحاب؟
غير أنّ المصادر طمأنت الى أنّ وضع الأراضي المحتلّة في لبنان يختلف عن وضع هضبة الجولان في المرحلة الراهنة، لا سيما من الناحية السياسية. فصحيح أنّ إسرائيل تتمنّى السيطرة على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر التي تحتلّها، غير أنّ لبنان غالباً ما يلجأ الى الأمم المتحدة لتحصيل حقوقه المشروعة، فيما لا يُمكن للنظام السوري الحالي غير المعترف بوجوده من قبل دول كبيرة عدّة في العالم، أن يلجأ الى الأمم المتحدة ويُطالب بحقّه هذا. كما أنّ الولايات المتحدة ستكون له بالمرصاد من خلال استخدام حقّ النقض “الفيتو” تجاه أي قرار يتخذه مجلس الأمن. ولهذا قد يكون الحلّ الأفضل لسوريا اليوم استرداد الهضبة عن طريق المواجهة العسكرية مع القوّات الإسرائيلية المحتلّة.
أمّا لبنان فليس بوارد مواجهة إسرائيل عسكرياً في المرحلة الراهنة، على ما شدّدت المصادر، لأنها لن تُقدم على استفزازه كونها تخشى من أي حرب مقبلة معه تدخل فيها صواريخ حزب الله الى الميدان. كما أنّ لبنان لا يتوانى عن مطالبة الأمم المتحدة بأن تُطبّق إسرائيل بنود القرار 1701، وسائر القرارات ذات الصلة التي تُطالبها بالإنسحاب ممّا تبقّى من الأراضي اللبنانية المحتلّة. ولهذا فإنّ هذه لن تكون يوماً لإسرائيل ما دام لبنان يواصل مطالبته بها دولياً، وتقوم المقاومة بإخافة إسرائيل من القيام بأي خطوة غير محسوبة للسيطرة على الأراضي اللبنانية المحتلّة.
وأكّدت المصادر بأنّ إعلان ترامب أحقيّة إسرائيل بضمّ هضبة الجولان السوري اليها، وبأن القدس عاصمة إسرائيل، لا يجعل لا القدس عاصمة لإسرائيل ولا الجولان ملكاً لإسرائيل شرعياً، سيما وأنّ التغيير الجغرافي للدول لا يحصل على هذا النحو، إنّما يُبقي الجدال الدولي قائماً حولها. في الوقت نفسه، يسمح لدولة مثل إسرائيل بالتمادي في الإستيلاء على أراضي الدول المجاورة، والإدّعاء بشرعيتها للأرض، كما بعدم تطبيق القرارات الدولية التي تُطالبها بالإنسحاب من الأراضي التي تحتلّها في المنطقة.
أمّا مبدأ «الأرض مقابل السلام»، فلا يُمكن بالتالي تطبيقه إذا أصبحت الأرض ملكاً لإسرائيل وليس فقط تحت سيطرة قوّاتها المحتلّة، على ما تريد الولايات المتحدة. ولا يستطيع أحد البحث بعد ذلك بمفاوضات السلام في منطقة الشرق الأوسط وما الى ذلك. كما أنّ حرب إسرائيل الجديدة على غزّة، يجعل مبدأ إقامة الدولتين جنباً الى جنب، غير وارد أيضاً، ما يدلّ على أنّ إسرائيل لا تضرب القرارات الدولية عرض الحائط فقط، إنّما تضع بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة، أسس الدولة التي تريدها في المنطقة.
والغريب أنّ اي دولة في العالم لا تُطالب بمحاسبة الولايات المتحدة على ما تقوم به من أجل مصلحة إسرائيل، ولا بمعاقبة هذه الأخيرة لعدم تنفيذها القرارات الدولية المتعلّقة إن بانسحابها من الأراضي العربية المحتلّة، أو بالإعتراف بحقّ عودة اللاجئين الى ديارهم ودفع التعويضات لهم، أو باسترداد فلسطين لأراضيها المحتلّة وإقامة دولتها المستقلّة وعاصمتها القدس، وما الى ذلك من الحقوق التي تستولي عليها عنوة، برعاية الولايات المتحدة الأميركية فقط لا غير.
ولكن بغض النظر عمّا يقوم به ترامب وحليفه نتنياهو في المنطقة، بهدف تثبيت قوتّهما فيها، وتخويف «المقاومة» في فلسطين ولبنان وسوريا، فإنّ قراراتهما تبقى غير معترف بها. والدليل تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنّ “وضع مرتفعات الجولان لم يتغيّر بموجب قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة”، وذلك عقب توقيع ترامب رسمياً على إعلانه ضمّ إسرائيل لهضبة الجولان السوري المحتلّة.
وتقول المصادر نفسها بأن بسط سلطة العدو الاسرائيلي من خارج القوانين لا يحميه، ولا يمنحه الأراضي التي اعترفت لها الولايات المتحدة بضمّها، إنّما سيخلق وضعاً جديداً في المنطقة، يقضي بمواجهته عسكرياً وبشراسة أكبر من أجل استعادة ما قامت بالإستيلاء عليه، أكان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة أو في سوريا، أو في لبنان. كما سيجعلها تُدرك أن لا بديل عن السلام العادل والشامل، وعن إعادة الحقوق لأصحابها لكي تتمكّن من الإستمرار بالبقاء في المنطقة.
المصدر: الديار