كلّ من يمرّ في منطقة الطيونة يعرفها، بعد أن اعتادت تمضية ساعات من يومها على الطريق، غير آبهة بالبرد القارس أو بالشمس الحارقة، تضع جسدها وهمومها على كرسي متحرك وتنتظر أن تحصل على رزقها. هي زينب ص. واحدة من “أشهر المتسوّلين” التي واظبطت على “عملها” منذ سنين، الأمر الذي دفعني إلى الاقتراب منها لمعرفة ولو جزء يسير من قصتها.
حيرة وتوضيح
اعتقدت بداية أنها تغطّ في سُبات عميق. فقد كانت مغمضة العينين، لكن ما إن اقتربت منها حتى تأهبت، سألتها ما الذي يجبرها على التسوّل، فكان جوابها الحاجة، لأسارع إلى السؤال لكن أليس عندك أولاد؟ نظرت إليّ نظرة امرأة حائرة لا تعلم هل تتابع حديثها أم لا، اتخذت قرارها وأكملت كلامها: “تزوجت منذ سنوات طوال من رجل كان مرتبطاً بامرأة ولديه عدد كبير من الأولاد، لكن الله لم يكتب لي أن أصبح أمّاً. توفي زوجي قبل سنوات، ولأني وحيدة لا معيل يسندني في هذه الأيام الصعبة، لم أجد أمامي سوى التسوّل لكي أحصل على قوتي، كما أن إيجار منزلي 150 دولاراً في الشهر، فمن أين أدفع إذا لم أتسوّل؟”
شكوك وتوضيح
اللباس الذي ترتديه زينب غريب، عباءة وشال يغطي قسماً من وجهها الذي تركت الشمس آثارها العميقة فيه، وقبعة إضافة الى قفازات وشرشف تغطي به رجليها، كما أنها تلبس جوارب من دون أن تنتعل حذاءً. وعلى الرغم من أن شكوكاً كثيرة كانت تراودني وعلامات استفهام من ان تكون نسخة جديدة من فاطمة عثمان “المتسوّلة المليونيرة” التي صدمت اللبنانيين بعد وفاتها بخبر امتلاكها ثروة كبيرة، إلا أنني حاولت طرد تلك الأفكار من رأسي، إذ ربما تكون بالفعل محتاجة، لأتابع الحديث معها حيث أخبرتني أنها “من بلدة الشهابية، أسكن في غرفة صغيرة في حي فرحات في محيط منطقة صبرا، قدمت إلى هنا منذ عشرات السنين، لم أرتح يوماً في حياتي، ولم أذق طعم السعادة ولو لمرة واحدة. أستيقظ باكراً كل يوم، أستقلّ سيارة أجرة، أدفع 5000 ليرة كي توصلني إلى الطيونة، أمضي طوال النهار على الطريق، وعند الساعة السادسة مساء أعود إلى البيت، أجمع يومياً نحو 15 ألف ليرة، منها اؤمن طعامي وبدل الإيجار والأدوية التي أحتاجها، فأنا أعاني مرض السكر في الدم”.