لم يعد الحديث عن عودة “حزب الله” إلى لبنان، تفصيلاً، فها هو حزب يؤسس لمرحلته السياسية الآتية متحصناً بدعم الرئاسات الأولى والثانية والثالثة.
فـ”حزب الله” الذي انتزع وزارة الصحّة من أنياب “الأميركان”، متخطياً كل التحذيرات والتهديدات والعراقيل، والذي خاض المعركة الانتخابية بكلّ طاقته ممتصاً غضب الحاضنة المهمشة لاسيما في بعلبك – الهرمل، لا يتعامل والمعركة الانتخابية التي خاضها كمعركة ظرفية، وإنّما هي بالنسبة إليه بداية لمرحلة خروجه العسكري من سوريا وإعادة تموضعه لبنانياً وشرعنته كمقاومة.
هذه الصورة، أي صورة “إعادة شرعية” “حزب الله” على الـ10452 كلم اللبنانية، تبدأ من مشهد زيارة وزير الصحة جميل جبق لعكار. هذه الزيارة ليست عرضية، فالوزير الذي يمثل حزباً انخرط في الحرب السورية ودعم النظام السوري، أطلّ في دور البطل من السهل الشمالي الداعم الأوّل للثورة السورية.
التقاء نقيضي السياسة، في دائرة الحرمان، ليس صدفة، ففي قاموس “حزب الله” لا مكان للصدف، والتهليل الذي ناله جبق في عكار كوزير لبناني يمثل “حزب الله”، والذي لا يُقرأ “عادياً” في المعادلة السياسية اللبنانية، هو ما يريده الحزب أن يتحوّل إلى أمر عادي يقاس على وزرائه وعليه كحزب سياسي وكمقاومة على حد سواء!
هذا المشهد، يتفق مع موقف الوزير جبران باسيل، وموقف الرئيس سعد الحريري، من مسودة القرار البريطاني القاضي بإدراج “حزب الله” بشقيه العسكري والسياسي على لائحة الإرهاب، فبينما أكّد باسيل أنّ الحزب مقاومة، رأى الحريري أنّ القرار يخص بريطانيا لا لبنان.
هذه المواقف كلها تتقاطع مع الموقف الفرنسي، فالرئيس إيمانويل ماكرون أكّد أنّ علاقات بلاده مع “حزب الله” بشقّه السياسي. إذاً فإعادة منح الشرعية لـ”حزب الله” لبنانياً يحظى بغطاء دولي.
الخطاب المختلف لـ”تيار المستقبل”.. تأسيس لمرحلة جديدة مع “حزب الله”
مع إعلان الحكومة اللبنانية، أكّد الرئيس سعد الحريري سعيه للإتفاق مع جميع الأطراف، وشدد على أنّه سيعمل على تجنب أيّ خلاف يؤثر على إنطلاق المرحلة الجديدة.
هذا التصريح الذي أطلقه الحريري في تلك اللحظة الحكومية، يتقاطع والمواقف “اللينة” الحالية من “حزب الله”. فعلى سبيل المثال النائب هادي حبيش رحّب باعتذار النائب محمد رعد عن كلام زميله نواف الموسوي في تغريدة تويترية، إلى ذلك لم تشهد جلسات البيان الوزاري نقاشاً حامياً بين تيار “المستقبل” و”حزب الله”، على غرار المراحل السابقة.
يضاف إلى ما سبق، مشاركة نواب “المستقبل” في جولة الوزير جميل جبق، وشكره على مبادرته من قبل بعض الشخصيات الممثلة رسمياً في التيار.
وهنا قد يتساءل البعض عن موقف النائب السابق مصطفى علوش الأخير، المخالف لما صدر عن نوّاب عكار. ببساطة هذا الموقف يأتي في إطار توازن الشارع، موقف لا يضرّ بـ”المستقبل” لاسيما وأنّ علوش ليس نائباً أو وزيراً، وفي الوقت نفسه يرضي من لم يستسيغوا الزيارة من جمهور “المستقبل”، ويسجّل في إطار زخم الانتخابات الفرعية وحصد الأصوات لديما جمالي، بعيداً عن مخططات المرحلة المقبلة التي يؤسس لها التيار مع كل من “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”!
المفتاح .. إعادة الإعمار
بات واضحاً أنّ الرئيس السوري بشار الأسد، باقٍ في منصبه، وأنّ الاعتراف العربي بشرعتيه هو على بعد ضربة حجر، فلم يعد خبر إعلان عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتشريع السفارات بينها وبين العرب، ببعيد.
في هذا السياق، يعلم “تيار المستقبل” جيداً، أنّ أمام لبنان مرحلة جديدة مع بدء “إعادة الإعمار”، هي مرحلة لا يتردد حليف “المستقبل” وزير الخارجية جبران باسيل في اعتبارها حقّاً للدولة اللبنانية التي احتضنت النازحين، غير أنّ الإعمار الذي يتطلب تواصلاً غير ممكن في الوقت الحالي بين الحكومة اللبنانية التي يرأسها سعد الحريري وبين النظام السوري، يحتاج إلى “حزب الله” ولوزراء ونواب الحزب!
من هنا فإنّ البوابة اللبنانية في الحسابات السياسية هي مقابل البوابة السورية، بما معناه أنّ تيار “المستقبل” فتح أبواب لبنان أمام “حزب الله” بدءاً من عكار، وعلى “حزب الله” أن يرد “الجميل” في سوريا وإعادة الإعمار!
المصدر : نسرين مرعب – لبنان 24