تحت عنوان ” “الطائف” أمام محاولات تعديله بالممارسة” كتب محمد شقير في صحيفة “الشرق الأوسط” وقال: يشكو معظم أهل السياسة في لبنان من استمرار الخروق التي تعيق تطبيق اتفاق “الطائف”، وتدفع في اتجاه تعديله بالممارسة لا في النصوص، على رغم أن جميع الأطراف يتبارون في الدفاع عنه والتمسك به، ويرون أن تطويره لتنقيته من الشوائب، يجب أن يحظى بالإجماع بدلاً من أن يتيح لفريق الغلبة على الآخر.
لكن الحرص الذي يبديه جميع الأطراف في دفاعهم عن “الطائف”، والتمسك به لا يصرف في مكان في ظل اتباع البعض الازدواجية في الخطاب السياسي التي من شأنها أن ترفع من منسوب المخاوف على مصيره، وتفتح الباب أمام وجود نيات مبيّتة لتعليق التقيُّد به، وصولاً إلى إحالة هذا الاتفاق الذي أنهى الحرب في لبنان ومهّد للتوافق على تسوية سياسية بدعم عربي ودولي، على “التقاعد”.
وتابع: إن التداعيات السياسية التي ترتبت على الجلسة الأولى للحكومة برئاسة رئيس الجمهورية ما زالت تتفاعل على خلفية ما صدر من مواقف عن الأخير في رده على المداخلات التي أدلى بها بعض الوزراء حول ربط إعادة النازحين السوريين إلى بلداتهم وقراهم بتطبيع العلاقة بين لبنان وسوريا.
ناهيك عن أن الرئيس القوي من منظور أطراف سياسية فاعلة في البلد هو الرئيس الجامع للبنانيين، والقادر على التوفيق فيما بينهم، وبالتالي فإن الجنوح إلى الاستقواء لا يخدم التوجّه العام للحفاظ على الاستقرار للمضي في التحضير لإفادة البلد من مؤتمر «سيدر»؛ لمساعدته على النهوض الاقتصادي، وإعادة انتظام المالية العامة بما يضمن في آن واحد خفض العجز، وأيضاً خدمة الدين العام.
وعليه، فإن العودة لإعادة الاعتبار إلى “الطائف” تبدأ، كما تقول مصادر نيابية ووزارية، باعتماد مقر خاص لمجلس الوزراء يرأس الجلسات رئيس الحكومة، وفي حال حضور رئيس الجمهورية فإنه يرأس جلساته، خصوصاً أن هناك ضرورة إلى سماع الرأي والرأي الآخر للوزراء.
وتسأل المصادر هذه: “ما المانع من أن يرأس رئيس الحكومة جلسات مجلس الوزراء، وأن يرأسها رئيس الجمهورية في حال حضوره، شرط أن يصار إلى تحديد مقر خاص لمجلس الوزراء؟”. وتؤكد المصادر نفسها، أن هناك ضرورة إلى تعزيز عامل الثقة بين الرئيسين على قاعدة مراعاة الحريري الذي لم يتردد في تقديم التضحية تلو الأخرى من كيسه الخاص بدءاً بتسهيل انتخاب الرئيس، ومروراً بقانون الانتخاب وانتهاءً بتشكيل الحكومة، علماً بأن بعض تضحياته لم تلق ارتياحاً لدى البعض في جمهور تيار “المستقبل”.
وفي الختام، تستحضر المصادر بعض “الهفوات” الدستورية التي كادت تهدد “الطائف” لو لم يتم تطويق مفاعيلها السلبية التي ترتد على إعادة إنتاج السلطة في لبنان.
ومن هذه “الهفوات” لجوء البعض إلى التهويل على الحريري من خلال الصعوبات التي واجهها في مرحلة المشاورات لتشكيل الحكومة، تارة بتلويحه بسحب تكليفه تشكيل الحكومة، وأخرى بوضع تقاليد وأعراف لا صلة لها بـ”الطائف”، إضافة إلى الالتفاف على صلاحيات رئيس الحكومة، وأبرزها أنه الناطق الوحيد باسمها وعدم تفرّد الوزراء باتخاذ مواقف تحرج الحكومة، وتشكّل خروجاً على سياسة النأي بالنفس التي تلتزم بها، إضافة إلى أن الحكومة مجتمعة هي التي تتولى رسم السياسة العامة للبنان، ومن غير الجائز أن ينتدب هذا أو ذاك نفسه لاتخاذ مواقف تتعارض مع الخط البياني العام لمجلس الوزراء.
لذلك؛ تعتقد المصادر أنه آن الأوان لضبط الإيقاع العام للحكومة لمنع بعض من فيها من الانزلاق في متاهات تؤثر سلباً على خريطة الطريق التي وضعها الحريري لنفسه لاستعادة الثقة العربية والدولية بلبنان، مع تأكيدها أن هناك فرصة أمام لبنان باستثمار تحييده عن الصراعات في المنطقة والالتفات إلى معالجة مشكلاته مشروطة بتوفير الحماية للتسوية الداخلية؛ لأن ليس هناك من يتحمل أن يدفع ثمن الفاتورة السياسية في حال العودة بالبلد إلى الوراء.
المصدر : محمد شقير – الشرق الأوسط