رويداً رويداً ينجح ائتلاف أحزاب السلطة بإنتزاع اعتياد المواطنين على ما يقَدَّم لهم من “مكرمات”. هذا الاعتياد يجعل سقف المطالب محصوراً بعدم تفاقم الأزمات، وليس بإيجاد حل جذري لها. وتأتي أزمة التقنين الكهربائي ضمن ما يحاول المواطنون الحفاظ عليه، خوفاً من التعتيم المطلق. وبالتوازي، تستمر مؤسسة كهرباء لبنان باتّباع الآلية ذاتها لطلب الفيول، والتي أثبتت عجزها لسنوات.
بشرى مؤسسة الكهرباء
دخلت السلطة في سجال حول إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة مالية “مخالفة للقانون”، رَسَت على قيمة 400 مليار ليرة، لتأمين الفيول اللازم لتغذية المعامل، ولتفادي المزيد من التقنين. هذا السجال أوصل عدداً من المناطق إلى دوامة تقنين إضافية، انتهت بالإغراق بعتمة، كانت المولدات الخاصة هي المنقذ الوحيد منها. علماً ان النتيجة الحالية، كانت متوقعة منذ شهر تشرين الأول 2018، حين أقرّت سلفة للغرض نفسه، بقيمة 642 مليار ليرة.
وفي ختام السجالات وبيروقراطية الإدارات الرسمية، بشّرت مؤسسة كهرباء لبنان أنه “من المتوقع أن تعود التغذية الكهربائية إلى طبيعتها في جميع المناطق اللبنانية، بدءاً من مساء الخميس 21 شباط 2019″، وفق ما تؤكده المؤسسة. ويأتي التوقّع بعد توقيع اعتمادات تغذية معملي دير عمار والزهراني بمادة الغاز أويل. إذ كان وزير المال علي حسن خليل قد استثنى في البداية المعملين من السلفة التي وقّعها منذ نحو أسبوع.
عودة التغذية إلى “طبيعتها” بمفهوم مؤسسة الكهرباء، ومن خلفها وزارة الطاقة، يعني عودتها إلى سياق التقنين، الذي بات عُرفاً تحفظه جميع المناطق اللبنانية منذ سنوات. وهو في الغالب 8 ساعات، يتخللها انقطاع متكرر بحجة الأعطال. وعليه، فإن مؤسسة الكهرباء ووزارة الطاقة تنظران إلى التقنين على أنه حالة طبيعية، يُفترض بالمواطنين المطالبة باحترامها، وعدم زيادتها أكثر. وفي حال حصول ذلك، نتيجة ظروف قاهرة، فجلّ ما يمكن المطالبة به هو الإسراع في الإصلاحات، التي تضمن العودة إلى التقنين. أما الحديث عن تقليص ساعات التقنين، فهو أمر مستحيل، ناهيك بأن توسيع دائرة الحلم بكهرباء 24/24، يبقى محصوراً بفترة ما قبل الإنتخابات النيابية فقط.
أسباب تكرار الأزمة
هذا الواقع يعود إلى وجود ثلاثة عوامل أساسية، تساهم في تكرار الأزمة، وهي، أولاً: غياب التنسيق بين مؤسسة الكهرباء ووزارة المالية، حول توافق موعد طلب الفيول، مع توفر الاعتمادات لها.
ثانياً: عدم تعديل شروط التعاقد مع بواخر المحروقات. فطالما ان تأخير التفريغ يتكرر، وبغض النظر عن الأسباب، فمن الطبيعي أن يستدعي ذلك إعادة النظر في الشروط، بما يتلاءم مع آلية عمل مؤسسة الكهرباء ووزارة المالية. وأولى بنود إعادة النظر، يجب ان تستهدف توقيت دعوة البواخر، وتالياً قيمة الغرامات.
ثالثاً: تعديل شروط تخزين المحروقات في المعامل. فشروط التخزين الحالية، تعيق إفراغ الحمولة في مكان واحد، يستوعب كامل مخزون الباخرة، في كل معمل أو موقع، ما يُضطر بالباخرة إلى التوجه نحو مكان ثانٍ، ما يعني تمديد فترة الرسو والتفريغ، ورفع كلفة الباخرة، التي تزيد أيضاً حين تضطر أحياناً الى عدم الإقتراب من الشاطىء، بفعل الطقس. وهو ما تتذرع به البواخر ووزارة الطاقة أحياناً، لتمديد فترة وجود البواخر، وتسجيل المزيد من الغرامات على الدولة.
إعادة عقارب الساعة إلى زمن التقنين، تتزامن دائماً مع طي صفحة المسار المالي والسياسي الذي أوصل إلى زيادة التقنين. فاللبنانيون الغارقون بهمومهم اليومية، يتغاضون عن التدقيق بتفاصيل الملف، فلا يهتمون بمسألة الغرامات المالية، التي يجب أن تدفعها الدولة لبواخر الفيول، كبنود جزائية للتأخير، حين تنتظر البواخر حل الإشكاليات السياسية المفتعلة عند إقتراب إستحقاق دفع ثمن الفيول، ولا يكترثون بآلية طلب الفيول.
ويترافق التغاضي الشعبي مع غياب أجهزة الرقابة الرسمية. وهذا ما يكلّف الخزينة العامة بين 20 و30 ألف دولار يومياً لكل باخرة تنتظر إشارة الاقتراب من الشاطىء وإفراغ حمولتها.
المصدر : خضر حسان – المدن