على مدار عمر ساري الشوبكي الذي لم يدُم سوى 22 عاماً، أنقذه والده من الموت سبع مرات. يتذكر الطبيب داود الشوبكي المرة الأولى التي أنقذ فيها نجله، عندما وُلد ساري أزرق اللون بسبب قلة الأكسجين قبل موعده ولادته الطبيعي بثلاثة أشهر لقبع في حضَّانة. وهناك أيضاً تلك المرة التي أصيب فيها بحمى خطيرة في عمر أربع سنوات. لكن الخمس مرات الأخيرة حدثت جميعها في فترة شهرين من هذا العام. يقول: «تمنيت لو تمكنت من إنقاذ حياته هذه المرة، كما اعتدت أن أفعل… ولكنها المرة الثامنة، كان قضاء الله (نافذاً)». كان داود على علم بالمصاعب التي تواجه الجرحى والمرضى في مستشفيات قطاع غزة المحاصر، إذ إنَّه طبيبٌ متقاعدٌ في السادسة والستين من عمره، يعمل الآن في استشارات الصحة العامة في القطاع. لكن على الرغم من كل الفظائع الصحية التي واجهها على مدار سنوات عمله، لم يكن داود مستعداً ليشهد موت ابنه ساري بالبطيء أمام عينيه مباشرة وهو بين يديه مصاباً في الرقبة برصاص الجنود الإسرائيليين في شهر ايار الماضي، ليلقى مصيره متأثراً بجراحه بعد شهرين.
تُرك ليموت
كان ساري الشوبكي الذي لم يتجاوز عمره الاثنين وعشرين ربيعاً يحلم بأن يتزوج ويصبح أباً. شابٌ صغيرٌ واعدٌ عمل جاهداً على تحقيق حلمه، عمل في عدة وظائف غريبة مثل بيع المشروبات الباردة، وبيع الجوارب، وعمل في استوديو تصوير. كان ساري الابن الثاني بين إخوانه الثمانية. استخدم ما يربحه في مساعدة عائلته التي تسكن حي الدرج في قطاع غزة، وحاول بناء مستقبله. في الساعة العاشرة من صباح يوم 14 أيار خرج الشاب الصغيرُ من منزله دون أن يخبر أهله عن وجهته، التي لا تزال سراً لا تعرفه أسرته حتى الآن. رنَّ هاتف داود بعد ساعةٍ واحدةٍ من مغادرة ساري للمنزل. وعلى الجانب الأخر من المكالمة، أخبره أحدهم أنَّ ابنه العزيز قُتل على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي في منطقة عازلة بالقرب من الاراضي المحتلة. وانتهى المطاف بيوم الإثنين المصيري هذا، بأن أصبح أكثر الأيام دموية خلال مسيرة العودة الكبرى. منذ 30 آذار، تظاهر آلاف الفلسطينيين احتجاجاً على الظروف المعيشية وطالبوا بحقهم في عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم. أستشهد على الأقل 58 فلسطينياً في يوم 14 مايو/أيار بعد أن فتحت القوات “الإسرائيلية” النيران على المتظاهرين، واستشهد بعدها 7 فلسطينيون آخرون متأثرين بجراحهم التي أصيبوا بها ذلك اليوم. خرج الكثيرون إلى الشارع منددين بتدشين السفارة الأميركية في القدس المحتلة ، وهو الأمر الذي حدث في اليوم ذاته. هرع داود مسرعاً إلى مستشفى الشفاء في قطاع غزة، التي كانت مكدسة لآخرها بالمصابين من جراء التظاهرة. لم يكن لدى السلطات الطبية أي سجلات تحمل اسم ساري؛ لذا اضطر داود لتمشيط كل أقسام المركز الطبي لساعات بحثاً عن ابنه. ووسط الفوضى، وجد ابنه أخيراً مستلقياً في أحد أركان منطقة الاستقبال. وعلى صدره ورقة كُتب عليها: “مجهول الهوية”. كان في حالة يرثى لها ولكنه كان يتنفس.
لقراءة المقال كاملاً: https://bit.ly/2nDyg6M
عربي بوست