لم ترض كل القوى السياسية بترجمة معادلة فصل النيابة عن الوزارة. لكن “حزب الله” و”القوات” وتيار “المستقبل” قرروا المضي بتجربة الفصل، وهي تزخّم العمل النيابي، والحكومي. لكن فرضها يحتاج الى قانون.
اول الرافضين لتطبيق الطرح، هو رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يتمسّك بوزير المالية علي حسن خليل، لإعادة توزيره، بحجة أنه قادر على مواجهة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على طاولة مجلس الوزراء. ولأن بري جرّب آخرين، فعجزوا عن اظهار القدرة السياسية، بعكس خليل الذي يتولى موقع المعاون السياسي لبري، ويطّلع على كل التفاصيل، ويدير كل الملفات والعلاقات السياسية مع كل القوى.
يرتبط بقاء باسيل وخليل ببعضعهما البعض. في حال قرر باسيل عدم المشاركة شخصيا في الحكومة وتسمية آخرين، والتصرف كرئيس حزب، للتفرغ الى تأسيس زعامة تتخطى حدود التيار، أسوة بالنائبين السابقين وليد جنبلاط وسليمان فرنجية، عندها فقط تتراجع حظوظ خليل في المشاركة الحكوميّة. قد لا يتمسك بري حينها به وزيرا، ويستبدله بالنائب ياسين جابر، أو بشخصية أخرى، كالمحامي وسيم منصوري، الذي يحظى بثقة بري. لكن قد تكون الأولوية عند بري لتوزير شخصيات تنتمي الى حركة “أمل”، بعد النتائج الانتخابيّة التي كشفت حاجة بري للتدخل بإيصال سياسيين قريبين من القاعدة الشعبية، بعدما تكاثرت الشكاوى من بُعد مسؤولي “أمل” عن الناس.
بالمقابل، لا يزال بري يتمسك بتوزير النائب غازي زعيتر، كممثل عن البقاع، رغم كل الملاحظات التي سُجّلت على أداء زعيتر في وزارتي الأشغال والزراعة، حيث كان حديث الناس والاعلام. أمّا الوزيرة عناية عزالدين، فيبدو ان مهامها ستقتصر على النيابة، لأن بري اعتاد في كل مرة على توزير اسم جديد، يشكّل مفاجأة، للوسط السياسي. رغم ان عزالدين نجحت في مهامها الوزارية، وكانت علامة فارقة. لكن من غير المؤكد أن رئيس المجلس النيابي سيطرح إسم إمرأة، أو ربما، يسمّي أحد المنتمين لصفوف الحركة من الشباب الجنوبيين الفاعلين المؤثرين في الرأي العام، هذه المرّة، لمجاراة الاحزاب الأخرى، التي قدّمت تجارب شبابية عدة، ستكون محور اهتمام المواطنين. علما ان بري، كان اول من سمّى شباباً لتيكونوا في الإدارات عامة في الدولة.
على خط التيار “الوطني الحر”، يتم طرح اسماء جديدة تواكب حجم المتغيرات السياسية، والتمدد الحاصل في شعبية التيار على مستوى المناطق اللبنانية. واذا كان توزير وزير العدل سليم جريصاتي مرة جديدة مطروح، في حال احتفظ التيار بالحقيبة نفسها، فإنّ فاعلين في التيار باتوا خبراء في محاكاة الرأي العام مطروحون للوزارة الجديدة، ومنهم مستشارون لوزير الخارجية، تمرسوا في وزارتي الطاقة والمياه، والخارجية والمغتربين. لكن باسيل يسعى الى توزير شخصيات ناشئة وكفوءة تحدّ من تغنّي “القوات” بوزرائها، وتقارع وزراء “الكتائب” في طروحاتهم. ويطرح مقربون من باسيل أسماء مستشارين له، برعوا في مهامهم، وباتوا موضع ثقته، بحيث لن يكرر تجربة وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال يعقوب الصراف، الذي كاد باسيل ان يطيح به وتسمية بديلاً منه مرات عدة حسب المصادر.
لكن مطّلعين يرون ضرورة انتظار الاسماء المدعومة من مستشارة رئيس الجمهورية ميراي عون التي تملك رؤية اصلاحيّة لترجمتها في العمل الحكومي. لا بدّ حينها من توزيع الادوار بين باسيل وميراي عون، علماً أن هناك من يقول إن حصة ميراي عون محسوبة على حصة رئيس الجمهورية وليس حصة “التيار الوطني الحر” الذي سيسمي وزراءه باسيل وحده.
من جهتها تصرّ “القوات” على توزير فادي كرم، الذي لم يُكتب له النجاح في النيابة. ينطلق رئيس “القوات” سمير جعجع من ضرورة تمثيل المناطق التي لم تحظَ فيها “القوات” بنائب. وهو بهذه المسألة يسعى الى اوسع تمثيل قواتي للمناطق، على صعيدي النيابة والوزارة. هو تفكير استراتيجي يعتمده جعجع، فلا يطرح اسماء للتوزير من البقاع الاوسط والشمالي وبشرّي وجبيل وكسروان وبيروت، بل يضع نصب عينيه على البقاع الغربي وعكار والكورة والمتن، بشكل أساسي، لإختيار وزراء من تلك المناطق التي لا تمثّلها “القوات” في مجلس النواب.
من الوزارء الثابتين في “القوات” وزير الاعلام ملحم الرياشي، الذي إستطاع ان ينجز تفاهماً مع “التيار الوطني الحر”، وينسّق ضمناً العلاقة مع بري والحريري، ونجح في ادارة وزارة الاعلام. وجود الرياشي ليس مرتبطاً بالاعلام، لأنه قادر على إدارة أي وزارة، بسبب كفاءته السياسيّة التي اكتسبها منذ كان اعلامياً، وبرهن عنها في تولي المناصب الحزبية والاستشارية الى جانب جعجع.
على خط “المردة”، فإن التكتل يطالب بحقيبة الاشغال العامة والنقل، وفي حال كانت من حصته، لن تكون لوزيرها الحالي يوسف فنيانوس، لأن رئيس “المردة” سليمان فرنجية، إعتاد على طرح أسماء جديدة في كل مرة، ويُطرح الآن في اوساط التيار أسماء: فيرا يمّين، شادي سعد، وشكيب خوري الذي أدار مكتب فنيانوس في “الأشغال”، علماً أن هناك من يطرح اسم النائب السابق سليم كرم، لكن التوجه هو لتوزير حزبيين من “المردة”، وقد تخضع اللعبة الى تسمية أحدهم من قرى قضاء زغرتا الذي يشعر بالغبن.
أمّا الحزب “التقدمي الاشتراكي” الذي صار مضطراً لتوزير حزبيين جدد من جيل النائب تيمور جنبلاط لمواكبته سياسياً، فإن المطروح تكرار أحد الاسماء، كالنائب وائل أبو فاعور مع حزبي شاب فاعل في صفوف “الاشتراكي” كصالح حديفة الذي يتولى مسؤولية الشباب التقدمي. لتبقى الاسماء رهن الحقائب المطروحة، اضافة الى “المهجّرين”.
على صعيد “حزب الله”، فإن الحزب سيطعّم بين قديم وجديد، فيُبقي على الوزير محمد فنيش، ويطرح إسمين جديدين، احدهم من مدينة بعلبك تحديدا التي لم تُمثّل شيعياً في النيابة. باتت الاسماء جاهزة، من دون الاعلان عنها، خصوصا ان حزبيين فاعلين حاضرون لتولي المسؤولية، خصوصا في البقاع الذي يخوض فيه الحزب منافسة سياسية بعد سنين من الارتياح، في ظل مطالبة الأهالي بتجديد الطقم الحكومي، وسخطهم على الوزراء القدامى، كما ظهر في نسبة الاصوات المتدنيّة نسبياً التي نالها النائب حسين الحاج حسن.
المشكلة الابرز التي قد لا تكون تداعياتها سهلة، هي داخل تيار “المستقبل”. فالتيار بدأ حملة محاسبة عامة وحلّ مسؤولياته في عدد من المناطق، وباشر التقييم البنّاء، لإعادة نهضته بروح جديدة رفدها بترشيح اسماء شبابية ونسائية.
هذا التقييم سيقود الى اعادة التموضع في زحلة وبيروت وطرابلس.
فصل النيابة عن الوزارة أدى الى نشوب أزمة بين الحريري والنائب نهاد المشنوق الذي يتمسك بوزراة الداخلية والبلديات تحديدا، لكن خشية في “المستقبل” من طرح المشنوق نفسه زعيما في بيروت، أبعدته عن الوزارة الاساسية في البلد، التي تهتم بالأمن والبلديات وشؤون تفصيلية مهمة.
الامر لا يقتصر على المشنوق. هناك ازمة أخرى مرتقبة مع وزير الاتصالات جمال الجرّاح الذي أبعد عن النيابة، في ظل توجه الحريري لتسمية وزير من قضاء زحلة، بعد حصول النائب عاصم عراجي على رقم متواضع جدا، رغم شعبيّة “المستقبل” في هذا القضاء، فلا بد للحريري من تعزيز حضوره في منطقة واسعة التمثيل للمستقبل. كما سيضطر رئيس الحكومة المكلّف لتسمية وزير من طرابلس وآخر من صيدا، وبيروت بطبيعة الحال.
لا تزال الجوجلة الحريرية قائمة، في ظل تعدّد الاسماء الموعودة. لكن الحريري سيعمد الى طرح اسماء جديدة تخلق صدى ايجابيا عند المواطنين.
النشرة