– رضا دياب
يا أوّل شهيدة في قاموس الجنوب الجديد النساء مصابة بخلاياكِ ما أطيب نعاسكِ يماوج التراب المستطاب ويطلع في العنب المبتسم مباهياً اسئلة الشعر …
كرّت سبحة الشهيدات من بعدكِ وجدد الماء افتتانه على الماء … كل يومٍ يشرقنا فجركِ ريفاً يتعمق بالهدوء … شيءٌ ما يحرض أيل الروح ويسوق اسطوانة الشمس الى عسل ابتراد القاع تلتف الأشياء الملتذة على نفسها لينهض حفلٌ اسطوري يسكت الشاعر …
هذا المدى من أفق الى أفق ماذا ينتظر ؟ تسأل الأيام ويجيب الشاعر:
قراءة استراحة “يسار” وقمح جبل عامل يظفر في كل مكان …
و”يسار” ابنة الـ 23 عاماً يوم استشهادها مازالت تسكن الوقت وتسبقه بسر التمدد .. تحشو النجوم بالضوء وترد اشتهاءها اليها … تخرج على الشعراء في كل المواسم لتملأ عالمهم بِشمسٍ تتجدد كل لحظة …
انها الشهيدة الاولى، يسار احمد مروة مواليد الزرارية عام 1961 انتسبت الى الحزب الشيوعي اللبناني عام 1981 وانتسبت الى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عام 1983 وقد استشهدت على طريق القليلة ـ صور في 2 ايار 1984 بعد ان نفذت عدة عمليات عسكرية ناجحة وجريئة ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي وهي شقيقة الأديب والكاتب والمخرج السينمائي الراحل الدكتور سحبان مروة …
فإلى جانب قيامها بمهمات قتالية أو استطلاعية، يشهد لها رفاقها كيف أوصلت السلاح الى احدى المجموعات لتنفيذ مهمة في منطقة صور وكيف حمت مجموعة أخرى وكم مرة استطلعت مواقع اسرائيلية في المنطقة …
اعتقلتها قوات الإحتلال أكثر من مرة وظلت تعيش تحت رقابة مخابرات العدو وعملائه ومع هذا ظلت امينة وفية للأرض تتوق ليوم التحرير وتعمل من أجله ..
بساطتها سر عظمتها!
كانت يسار انسانة بسيطة يروي عنها الأهل والأقارب الكثير فهي التي كانت تفلح الأرض وتسويها وتقوم بأعمال الرجال في ظل غياب اشقائها الذين يعملون في الخارج (في حقول الصحافة والطب والفن) وما تزال أشجار قليلة قائمة عند مدخل منزل أبويها في الزرارية “هذي من ورا ديات يسار” هذا ما قالته والدة يسار”السيدة أم نصير” ….
وعندما ارتكب العدو الإسرائيلي مجزرة الزرارية”11 آذار 1985″ عادوا ودخلوا منزل المرحوم والدها (أحمد مروة) حيث حفروا في كل مكان في حديقة المنزل بحجة أن معلومات وردتهم بأن يسار كانت تخبئ الأسلحة فيها .
يسار إعصارٌ لا يهدأ
لم تكن يسار لتهدأ لحظة واحدة بالرغم من كل التهديدات الإسرائيلية وتهديدات عناصر الجيش العميل (سعد حداد)، وللتخلص منها بعد فشلهم في الأمساك بها أو دفعها للأعتراف عن رفاق لها تحت ضغط التعذيب المتعدد الاساليب والذي مورس معها بوحشية، قامت قوات الإحتلال بإغتيالها على طريق القليلة – صور بتاريخ 2/5/1984 .
تقول المعلومات أن الشهيدة يسار كانت صبيحة ذلك النهار في صور تشتري بعض الحاجيات للمنزل وبعض الأسمدة الكيميائية عندما اقترب شاب وهمس في أذنها شيئاً وعُلم أنه أشار اليها بضرورة الذهاب فوراً بعدما وردت معلومات أن عناصر مخابرات العدو بقيادة (أبو النور) ستقدم على خطفها.
بينما تقول معلومات أخرى إن أحدهم تقدم اليها مشيراً الى ان رفيقاً لها قد أصيب مما جعلها تهرول مسرعة وكانت قوات الإحتلال قد كمنت لها على الطريق الذي كان من المفترض أن تجتازه، وفعلاً ما ان وصلت يسار وكانت تقود سيارة صغيرة من نوع فولسفاكن حتى انهمر عليها الرصاص من كل الإتجاهات وظلت جثتها في السيارة لساعات عدة قبل أن يسمح بنقلها، وبعد ذلك بوقت قام ضابط اسرائيلي وعناصره بإقتحام منزل ذويها مهددين بضرورة دفنها فوراً دون أي ردات فعل، وقبل أن يخرج الضابط الإسرائيلي التفت نحو والدة يسار الباكية وقال: “أنت تبكين عليها…لقد أبكتنا كثيراً بعد أن قتلت الكثير منّا” ..
أقول: كل ذلك من أنثى في ربيعها الـ 23
بيان لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية يزف الشهيدة يسار مروة:
” ان الشهيدة الاولى يسار احمد مروة قامت بعمليات بطولية عدة ضد قوات الاحتلال قبل استشهادها في 2 ايار 1984 و ان رفاقها ينحنون في هذه المناسبة امام عظمة النضال و الشهادة وفاءً لدمائها الطاهرة , معاهدين كل الشهداء بالاستمرار في طريق النضال حتى تحرير كامل تراب الجنوب والاراضي اللبنانية التي يدنسها الاسرائيليون و عملاؤهم واننا نحذر هؤلاء وندعوهم لأن يرتدوا عن عارهم و خزيهم ” …