فيديوهات جنسية وابتزاز وإغراءات مالية أوقعت لبنانياً في شباك العمالة للعدو الإسرائيلي. المستهدف كان مقاتلاً سابقاً في حزب الله، تم طرده من صفوف الحزب لأسباب سلوكية، فسافر للعمل في أفريقيا. على مدى سنة ونصف سنة، نفّذ مهمات كلّفه بها العدو لرصد مواقع المقاومة، وقام بمحاولات فاشلة للعودة إلى صفوف الحزب، قبل أن تزيد الشبهات حوله لينتهي الأمر بتوقيفه
وشمُ الـ «313» على يد محسن س. لفَتَ نظر الفتاة الشقراء في أحد مقاهي العاصمة السيراليونية فريتاون. بعدما تبادلا النظرات دعاها إلى طاولته لاحتساء زجاجة «بيرة». عرّفت عن نفسها بأنها بلجيكية، اسمها شارلوت، وتعمل في إحدى المنظمات الدولية. تبادلا أطراف الحديث ورقميهما الهاتفيين قبل أن يفترقا.
في اليوم التالي، في حزيران 2021، اتّصل محسن الذي كان يعمل في شركة أمن متخصصة في حماية المناجم بشارلوت وطلب لقاءها، فدعته إلى منزلها الذي يقع قرب الشاطئ، على مسافة سبع دقائق سيراً على الأقدام من الفندق الذي كان ينزل فيه. قضى يومين في منزل الشقراء البلجيكية التي استفسرت منه عن معنى الوشم – الرقم، فأخبرها بأنّه اسم نادٍ لبناني لكرة القدم. «غوغلت» الرقم على الإنترنت لتظهر أمامها صور للسيد علي الخامنئي، وقالت له إنها لا تصدّقه، فأخبرها، كما جاء في شهادته أمام المحققين، أنّه كان عنصراً في الجيش اللبناني وأن هذا رقمه العسكري، ولم يعرف ما إذا كانت قد صدّقت ذلك.
بعد يومين أمضياهما في ممارسة الجنس واحتساء الكحول، غادر منزل شارلوت على وعد اللقاء لاحقاً. في الأيام التالية تواصلا يومياً عبر الهاتف وتقنية الفيديو. عاودت سؤاله عن طبيعة عمله في لبنان، فكرّر بأنه عسكري فارّ من الجيش. أربعة أيام من التواصل «تبخّرت» شارلوت بعدها، فلم تعد رسائله تصلها ولم تردّ على اتصالاته. بعد أسبوع، وصل إلى هاتفه عبر «واتساب» مقطع فيديو يُظهره في أوضاع حميمية مع شارلوت في منزلها. أرسل محسن إلى المرسل علامات استفهام وحاول الاتصال به فلم يُجب، قبل أن تصله العبارة التالية: «Ro2 ya habib» (روق يا حبيب). بعد نحو ربع ساعة، جاءه اتصال من الرقم نفسه. طلب منه المتصل الذي كان يتحدّث بالعربية التزام الهدوء. سأله محسن عن هويته، فأجاب بأنّه «صديق يريد المساعدة». لاحظ المتصل انفعال محسن، فقال له: «اهدأ. ما تلعب بالخطر»، وأبلغه أنه من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
أكّد محسن للمحققين أنه بمجرّد سماعه كلمة «موساد» أقفل الخط وحظر الرقم. لكن المتّصل عاود التواصل معه من رقم آخر. بداية أرسل إليه «إيموجي» لوجه ضاحك، وأتبعه برسائل عدة يطلب منه فيها التفكير جيداً قبل أن يرسل مقطع الفيديو إلى أهله وأصدقائه ومعارفه. بعدها، أرسل إليه أرقام هواتف عدد من أقربائه وأصدقائه، وطلب منه جواباً نهائياً عما إذا كان يُريد متابعة التواصل في المرة المقبلة. لم يُجب محسن، لكنه لم يحظر الرقم. وأبلغ المحققين أنّه كان خائفاً جداً، وقد بادر إلى التواصل مع أصحاب أرقام الهواتف التي أرسلها المتصل إليه لجس نبضهم عما إذا كان أي منهم قد استلم مقطع الفيديو، لكن أحداً لم يتطرّق إلى الأمر. بعد أيام، عاود الشخص نفسه الاتصال عبر «واتساب» وعرّف عن نفسه بأن اسمه «أمير». سأله محسن: ما الذي يُثبت أنّه لا يتعرّض لعملية احتيال، فطلب منه «أمير» تحميل تطبيق سكايب ليتمكن من التواصل معه عبر الفيديو والتأكد من هويته.
في الاتصال عبر «سكايب» شاهد محسن رجلاً في العقد الخامس يجلس إلى مكتب وخلفه علم إسرائيلي. وإلى جانبه شخصان كان أحدهما يرتدي بزة عسكرية إسرائيلية. أبلغ محسن «أمير» بأنه مستعد لتنفيذ ما يُريده مقابل عدم نشر الفيديو، وأخبر ضابط الموساد بأنّه كان انتسب سابقاً إلى حزب الله.
بعد يومين، عاود «أمير» الاتصال به. هذه المرة، كان إلى جانبه شخص عرّف عنه بـ «دانيال» وبدآ بطرح الأسئلة حول عمله في الحزب والدورات التي خضع لها. أبلغ محسن ضابطَيْ الـ«موساد» بأنّه انتسب إلى صفوف الحزب عام 2010، وخضع لدورات عسكرية، وشارك في معارك في سوريا. ونفى أن يكون قد خضع لدورات تخصص في المضاد للدروع أو الدفاع الجوي، فسألاه إن كان بإمكانه الخضوع لهذا النوع من الدورات في حال عاد إلى صفوف الحزب.
في اليوم التالي، اتصل «أمير» به وطلب منه ترك عمله في شركة الأمن بعد أن يطلب رفع راتبه، كما طلب منه تجديد جواز سفره ريثما يُحدد موعداً للقائهما في ليبيريا، على أن ينتقلا منها إلى غانا أو غينيا. وأبلغه أنّ المهمة التي سيكلّف بها ستكون العودة إلى لبنان ومعاودة الانخراط في صفوف حزب الله.
حصل محسن على تأشيرة دخول إلى ليبيريا. في الغرفة رقم 213، في الطبقة الثانية في أحد فنادق مونروفيا، وجد نفسه وجهاً لوجه مع «أمير» الذي طلب منه التظاهر بالبحث عن عمل، وبالتشدد في إجراءات الوقاية من «كورونا»، وخصوصاً لبس الكمامة. أمضى أسبوعاً يتسكّع بين المقاهي التي يرتادها أبناء الجالية اللبنانية، قبل أن يرده اتصال من شخص عرّف عن نفسه بأنه «عاهد»، وطلب منه العودة إلى غرفته في الفندق وانتظار وصول أشخاص لمقابلته. بعد نحو ساعة، طرق باب غرفته شخص يتحدث الإنكليزية قال إنّ اسمه «إبراهيم»، وسلّمه كيس ملابس وحذاء وطلب منه تغيير ثيابه. ثم فتّشه بواسطة آلة كشف، وطلب منه مرافقته من دون اصطحاب أي أغراض سوى جواز سفره. نقله «إبراهيم» إلى شقة في مبنى مؤلف من أربع طبقات، حيث كان في انتظاره أربعة أشخاص استقبلوه بحرارة، بينهم «عاهد» الذي أخبره أنّ دور «أمير» انتهى معه.
على مدى أيام، أخضع الضباط الإسرائيليون الأربعة محسن لاستجواب مفصّل حول حزب الله وحول المهارات العسكرية التي اكتسبها في صفوف الحزب والأسلحة التي تدرّب عليها ومواقع التدريب وتلك التي شارك فيها في القتال وطلبوا منه تحديدها على الخريطة. كما طرحوا أسئلة حول الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ودورات الإسعاف الحربي والإشارة والدفاع الشخصي والطوبوغرافيا. ولدى سؤاله عن جنسيات المدربين قال إنهم «لبنانيون من البقاع» وإنّه يجهل أسماءهم. كما سألوه عن أسماء لبنانيين ينتمون إلى الحزب سافروا بإذن إلى أفريقيا. وأقرّ محسن أمام مشغّليه، للمرة الأولى، بأنه خدم في عداد قوات الهندسة في حزب الله، فطرحوا عليه أسئلة حول هذه الوحدة، وعما إذا ما كان مسؤولاً عن أي من مخازن السلاح، فأجاب بالنفي. وأشار إلى أنه تدرّب على زرع العبوات وتفكيكها، وعندما عرضت عليه صور عبوات يدوية وصفها بأنها «بدائية»، مشيراً إلى أنه عمل على عبوات أكثر تعقيداً. كذلك عُرضت عليه صور عناصر من الـ«يونيفيل» داخل نفق وأخرى لملاجئ تحت الأرض وسُئل عما إذا كان يعرف مواقعها، وما إذا كان على علم بأماكن وجود مخازن عبوات في الضاحية الجنوبية.
بعد الاستجواب المفصّل، أُخضع محسن لاختبار كشف الكذب، فاجتازه بنجاح. وأُبلغ بأن المطلوب منه معاودة الانضمام إلى صفوف الحزب، وتحديداً قوات الهندسة، وتزويدهم بمواقع مستودعات الأسلحة والذخائر العائدة للحزب وصورها ومعلومات عن مواقعه ومراكزه في الجنوب. وجرى تدريبه على الإجابات حول الأسئلة التي ستُطرح عليه أثناء التحقيق من قبل حزب الله لدى محاولته معاودة الانضمام إلى الحزب. كما أُخضع لتدريب على استخدام تقنية vpn لتمويه موقع إرسال الرسائل، وأُبلغ أنه سيخضع لاحقاً لتدريب على رصد المباني والأشخاص والحفاظ على السرية وكيفية إرسال إحداثيات المواقع في لبنان.
بعد الاستجواب المفصّل، أُخضع محسن لاختبار كشف الكذب، فاجتازه بنجاح
قبل عودته إلى لبنان، أعطى المشغّلون عميلهم 17 ألف دولار على دفعات (2000 و5000 و10 آلاف)، وطلبوا منه أن ينفق المال بطريقة منطقية حتى لا يلفت الأنظار، كما طلبوا أن يكون التواصل عبر «واتساب» حصراً، وقالوا إنهم سيرسلون إليه مزيداً من الأموال بواسطة «البريد الميّت».
طوال الفترة التي أمضاها العميل في لبنان، لم ينجح في العودة إلى صفوف الحزب، رغم سعيه لإعادة التواصل مع شباب من الحزب في بلدته والمنطقة. وفي نهاية أيلول الماضي، أوقف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي محسن س. في بلدة الناقورة حيث يعمل مع والد زوجته في تركيب ألواح الطاقة الشمسية. وقد اعترف في التحقيق معه بتنفيذ عدد كبير من المهمات التي طُلبت منه، وأنه تسلّم من مشغّليه أجهزة إلكترونية لنقل المعلومات المشفّرة. وقال إنه تلقى اتصالاً من مشغّله، قبل فترة قصيرة من توقيفه، طلب منه فيه إتلاف جميع الشرائح الإلكترونية حرصاً على سلامته، وإنه نفّذ الأمر باعتبار أنّهم سيزوّدونه بأجهزة بديلة، وهو ما لم يحصل حتى توقيفه.
– الأخبار